الأحلام أثناء النوم ، هل من تفسير علمي لها ؟
--------------------------------------------------------------------------------
الأحلام منذ الأزمنة القديمة ، كانت بعض الشعوب تعتبرها دلالات مستقبيلة على أشياء ستحدث على مستوى الفرد أو الجماعة ، وكان يرى فيها بعضهم أنها رسائل تأتي من بعيد ، أشبه بالتخاطر أو المشاعر المنتقلة .. وهناك من كان يقدس مدولالات الأحلام ويصنفها على أنها رؤى تحمل رسائل واجبة التنفيذ من الخالق كما يحدث عند الأنبياء على سبيل المثال .
كان هذا سائدا حتى خرج لنا فرويد ، الذي أعطى تحليلات منطقية إلى حد ما لمشاعر الناس وعلاقاتهم ، وحتى الأحلام فحسب نظريته للوصول إلي اللاشعور والتي يري من خلالها أن الأحلام مستودع للدوافع والرغبات المكبوتة والتي غالبا ما يري أنها جنسية .
فرويد يقول كلاما منطقيا وجميلا ، ولكنه غالبا ما كان يعصب على الجميع استيعاب كلامه خصوصا من الذين يريدون تفسيرا علميّا لكل شيء ، أو الذين لا يفهمون السرد الأكاديمي ولا يحبذونه .
أريد أن أقول - وهذا كلامي أنا شخصيا ومسؤول عنه - أن الفصل بين العامل العضوي وبين العامل النفسي والعصبي ، يعقـّد المسألة ، ولا يفضي إلى تفسير أو حل واضح وجلي .
هناك من يفسر الأحلام على أن لها دوافع نفسية ، أو عصبية ، ويغفل كثيرا التحليل الإكلينيكي للظاهرة ، وأنا أيضا هنا أحطم بعض المفاهيم لأفصل بين العاملين ( النفسي - والعصبي ) قد لا يرى البعض أن هناك فرقا بين المرض النفسي ، والمرض العصبي ، وأن أصل الأمراض النفسية يعود إلى مشاكل عصبية ، قد تكون ناتجة عن مشاكل عضوية ، أو نشأت بفعل عوامل بيئية وأنتجت مشاكل عضوية ، فالمشكل العضوي يتأرجح بين أن يكون سببا وبين أن يكون نتيجة .
هذا صحيح عند التشخيص ، ولكن عند العلاج ، هناك فرق بين ما هو عصبي و ما هو نفسي ، بحيث أننا قد نسنطيع أن نعالج مريضا يعاني من الصرع أو الفقدان المتكرر للذاكرة ، أو الزهايمر البسيط بالعقاقير ، و لا يمكننا أن نعالج بالعقاقير بعض الذين لديهم مشاكل نفسية متأزمة بفعل بعض الأفكار أو الحوادث أو التراكمات التي تحيط بالمريض ، فمشكلة الفكر الإرهابي والتعطش للقتل والدماء ، مشكلة نفسية ، علاجها لا يحتاج للعقاقير والمهدئات ، وإنما يحتاج لتغيير البيئة والفكر والعوامل الخارجية المؤثرة في تكوين شخصية المرء .
كيفية حدوث الأحلام:
أريد أن أخلص مجموع ما درسته ، وفهمته وقرأته بشكل مستفيض عن هذه الظاهرة ، وماهو تفسيرها وماهي ديناميكة حدوثها ، وسأتحدث عن الجانب البيوفزيكالي ، والكيميائي في المسألة ، حتى لا أخوض في جوانب فلسفية معقدة ، لا تزيد المسألة إلا غموضاً :
1- يتكون الجهاز العصبي في جسم الإنسان من جزأين ( الجهاز العصبي المركزي ، والجهاز العصبي الطرفي ) :
الجهاز العصبي المركزي هو/ الدماغ بأقسامه ( المخ والمخيخ والنخاع المستطيل ) ، ثم الحبل الشوكي الذي يتمتد من نهاية النخاع المستطيل على امتداد الرقبة والظهر داخل فقرات العمود الفقري في الجسم كما في الشكل السابق .
الجهاز العصبي الطرفي / وهو يشمل كل الأعصاب المنتشرة في الأطراف وبقية أعضاء وأجهزة وأنسجة الجسم .
2- الخلية العصبية : تتكون من ثلاث أقسام : ( الشعيرات الشجرية - نواة الخلية أو جسم الخلية ، ثم المحور العصبي ) ثم تلتقي مع الخلية التي تليها عن طريق شعيراتها الشجرية ، وتنقل الكهرباء ( السيالات العصبية ) في اتجاه واحد من الشعيرات الشجرية باتجاه النواة ، ثم المحور ، ثم الخلية التي تليها ، ولا تتنقل بالاتجاه المعاكس أبدا ، كما أن الخلايا العصبية في الغالب لا تكون ملتصقة تمام الالتصاق ومع ذلك فالسيالات في الوضع السليم تنتقل بشكل طبيعي .
3- يصدر الجهاز العصبي المركزي دوما أوامره للأعضاء والأطراف كي تقوم بعملها الطبيعي اليومي ، و يكون انتقال هذه الأوامر على شكل كهرباء يسمونها السيالات العصبية ، فترفع يدك ، أو تحك رأسك أو تنتقل من مكان لآخر ، أن تؤدي أطرافك عملا محددًا ماهو إلا أن الدماغ أراد أن تفعل ذلك ، فأرسل كهرباء للأطراف كيف تنفذ هذا الأمر ، وعندما يحدث طارئ ما ، كوخز أو شعور بحرارة عالية ، أو ضربة ما ، أو أي مؤثر خارجي فإن الأعصاب تطلب من الجهاز العصبي المركزي أن يتخذ قرارًا ما حيال هذا المؤثر ، وعندما يقوم الدماغ بذلك ، يبقى في الجهاز العصبي المركزي في الدماغ بالتحديد ، مكان يسمى ( الذاكرة المستديمة ) / وهي خلايا عصبية تكوّن فكرة عن أي شيء يحدث للجسم فالطفل الذي وضع يده على كأس شاي ساخن ، سيرسخ في ذاكرته أن لا يعاوعد فعل ذلك مرة أخرى لأن هذه المعلومة تم حفظها بشكل مستدام .
4- هناك ذاكرة مؤقتة ، وهي التي قد يتم فقدها أحيانا عند مرضى فقدان الذاكرة ، فترى شخصا فقد ذاكرته لا يعرف اسمه ولا يدري من هو ؟ ولكنه يعرف كيف يحمي نفسه وكيف يتصرف ، ويفهم العالم من حوله جيّدا ولكن الذاكرة المؤقتة التي تُعنى بالتخزين السلوكي الفردي ، الذي لا يتعلق باستجابات الأطراف وأعضاء الجسم ، قد أصابها عطب أو تلاشت أو تعرضت للقصور .
هذه الذاكرة هي أيضا التي يتم فيها تخزين المشاهد والأحداث والذكريات ، وهي التي يتم استرخآئها من وقت لآخر أثناء النوم ، من أجل أن تستريح الأعضاء ، وقت النوم ، ومن هنا فإنها هي المنبع الحقيقي لحدوث الأحلام ، بعد أن يقوم المخ بتفريعها مؤقتا وعودتها بعد اليقظة كنوع من ترتيب الأوراق ، وإراحة الجسم و هي فلترة جزئية يتم من خلالها نقل الكثير من المشاهد إلى الذاكرة المستدامة ، وبعضها الآخر يتم شطبه نهائيا ، حسب دقة التركيز أثناء الحفظ ، وبعض المعلومات تبقى محفوظة ، حتى إذا جاء ما يستحثها ويذكـّر بها ظهرت أمام الشخص مهما كانت بعيدة .
5 - أثناء عملية تفريغ الذاكرة ، يكون التفريغ أثناء النوم بشكل عشوائي ، لأن الجسم لن يتحرك فهو يغط في نوم عميق ، ولا يوجد هناك خوف من أي استجابة قد تقوم لها أطراف الجسم ، فأثناء النوم تعمل آلية محددة في الجسم لحمايتنا من تنفيذ أحلامنا ، وهي آلية ( ارتخاء جميع العضلات ) أي أنها تكون مشلولة أثناء المرحلة الثانية من النوم ، ما عدا عضلتي الحجاب الحاجز من أجل التنفس ، وعضلة حاجب العين ، في هذه المرحلة تبدأ عمليه تفريغ السيالات باتجاه الأطراف بشكل شمولي ، وعندها تختلط المشاهد القديمة بالجديدة ، التي قبل يومين بالتي قبل 10 سنوات ، تختلط الأشكال والأحداث ، وعندها يظهر لنا في نومنا مشاهد مركـّبة تركيبا غريباً ، تختلط فيها الأماكن والوجوه والأشياء ، هذه الظاهر تسمى ( الأحلام ) .
6- إذا حدث واستجابك الأطراف لأي سيالات عشوائية من الدماغ ، لأي خلل عصبي أو عضوي ، فإن عضلات الأطراف تستجيب أيضا دون إدارك من النائم ..!
فتسمع أحيانا بعض النائمين يتحدثون ، وبعضهم ينهض ويمشي ، وقدي يخرج من بيته ، وقد يقوم ويفتش في ثيابه ، وهذه مشاهد تتكرر ، ونلاحظها دائما على بعض النائمين ، في مرحلة النوم العميق .
7- شلل النوم ، أو ما يسمى بالجاثوم ، أيضا هو يحدث عند الانتقال من مرحلة ( النعاس إلى المرحلة الثانية من النوم ، أو عند قرب الاستيقاظ ) وفي هذه اللحظة تبدأ آلية ( الشلل المؤقت لعضلات الأطراف ، بالعمل ) ، الشخص وقتها يكون بين النوم واليقظه في أول النوم أو في آخره ، ويعي ما حوله ، ولكنه لا يستطيع الحركة ، وبمجرد ما تبدأ آلية ارتخاء العضلات في العمل ، يبدأ تفريغ الذاكرة ، وتصل السيالات العصبية للأطراف ، وحينها يرى النائم مشاهد مخيفة ، كأن شخصًا يضربه أو يسقط من مكان عالٍ ، ويتوقع أنه يستغـيث ويصرخ ، وهو في الحقيقة لم يفعل ، و قد يحاول المقاومة ولا يستطيع ، تنتهي هذه الأعراض لمجرد أن تتحرك ( فعليا ) أي عضلة طرفية في جسمه ، لتنتهي مرحلة الارتخاء ، ويتلاشى كل شيء ، وتتوقف الذاكرة المؤقتة عن بث سيلاتها ، واستقبال السيالات من أعضاء الحركة .
في بعض الحالات لا يرى النائم أي مشاهد ولكنه يتعرض لضغط ما ، وذلك لأن العضلات بدأت بالارتخاء ( الشلل المؤقت ) و لم يبدأ التفريغ الكهربائي بعد .
وأخيرا هناك نقطة مهمة :
تفريغ الذاكرة ، يحدث بشكل غير منتظم ، ليس بالضرورة أن يكون كل يوم بنفس القدر ، وليس بالضرورة أن يكون بنفس الدرجة والحدّة ، أومتشآبها من شخص لآخر ، يخضع طبعا لطبيعية الحياة ، ومدى الإجهاد الذي يتعرض له الجسم ، و كمية المعلومات التي يتم تخزينها ، ووجود مرض نفسي أو عصبي أو حتى عضوي من عدمهم ، ومن ضمن ذلك أيضا الرغبات العاطفية والجنسية التي تؤثر في نسج المشاهد و تداخلها عند تفريغها ( لذلك تختلف الأحلام ، و ما يتعرض له الشخص أثناء النوم حسب كفآءة جهازه العصبي ، وحسب التفاعلات الكيميائية التي تحدث في جسمه ، ومفرزات محيطه ) ، ما ينطبق على الأحلام ينطبق أيضا على شلل النوم .