هل تفسير الأحلام علم من علوم الدين الإسلامي؟
هل تفسيرالأحلام علم من العلوم التى تدرس بالمعاهد الدينية المتخصصة؟
كثر فى الآونة الأخيرة فى القنوات الفضائية برامج تفسير الأحلام وأصبحت القنوات تتبارى وتتسابق وخاصة الدينية منها فى تقديم مشايخ وعلماء يدّعون معرفتـــــهم وإلمامهم بعلم التفسير الأحلامى وظهرت على الشاتّات أرقام هواتف تتصل بهـــــــا فتفسر لك حلمك أو منامك للشيخ فلان والشيخ علاّن وأصبحت هذه البرامج والهواتف من المقررات اليومية فربطت الناس وللأسف حياتها بها واصبح كثيرهم يلهثون وراء من يفسر لهم أحلامهم ورؤياهم .
ولقد سئل أحد علماءالأزهر الشريف الشيخ جمال قطب عن رأيه فى إتجاه كثير من المشايخ الى تفسير الأحلام من خلال القنوات الفضائية فأجاب بأنه يتحدى فىوجود علم من علوم الدين يدرس بالأزهر يسمى بعلم تفسير الأحلام وعندما تحدث الله فى كتابه الكريم فى سورة يوسف ـ الآية 6 ـ :"وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث". ـ صدق الله العظيم ـ وهي خاصية ليوسف علمها له الله وكما واضح من الآية الكريمة.
وقد سئل ابن عبدالبر: أيعبر الرؤيا كل أحد ؟ فقال : أَ بالنبوة يلعب ؟! . ثم قال:الرؤيا جزء من النبوة ، فلا يلعب بالنبوة . والجواب: أنه لم يرد أنها نبوة باقية ، إنما أراد أنها لما أشبهت النبوة من جهة الإطلاع على بعض الغيب لاينبغى أن يتكلم فيها بغيرعلم .
والكلام فى هذا المقام مقصود به رؤيا المؤمن التى ورد فيها حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم بأنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة.. ولذلك فلابد لمن يفسرها أن يكون عالماً فقيهاً وصالحاً حتى يفهم رموز اللغة الربانية التى تتكون منها الرؤيا . وهذا الأمرينبغي أن يؤخذ بحذر في الواقع اليومي حيث يعتبر كل شخص رأى شيئا في منامه أنه رؤياويعتبر نفسه في عداد المؤمنين ويتعامل مع الأمر على أنه رسالة ربانية قطعية المعنىوواجبة النفاذ .
ومع كل ماذكر يبقى موضوع تفسير الأحلام عملا اجتهاديا ظنيا لأنه يتوقف على تقدير المفسر للرموز وعلى اهتماماته وثقافته , ولا توجد مرجعية ثابته ومؤكدة لتفسير الأحلام .
وكتاب ابن سيرين نفسه , وهو عمدة كتب تفسير الأحلام في التراث العربي هناك شكوك حول نسبته كاملا لابن سيرين فبعض الباحثين يقولون بأن ابن سيرين كتب أجزاءا منه ثم أضيفت عليه أجزاء أخرى في مراحل تاريخية تالية , والبعض الآخر ربما ينكر نسبه لابن سيرين أصلا وحتى لو افترضنا أن الكتاب وضعه ابن سيرين فعلا فهو لا يخرج عن كونه تأملات وافتراضات واستنتاجات شخصية لابن سيرين ولايدخل في نطاق العلوم المؤكدة الراسخة , وكون ابن سيرين كان عالما وفقيها في الدينلا يعطي كتابه في تفسير الأحلام قداسة دينية وإنما ينظر له على أنه جهد واجتهاد َبشري يقبل الصحة والخطأ . كما أن الرموز التي بنى عليها ابن سيرين تفسيراته كانت تناسب البيئة التي عاش فيها والمجتمع الذي انتمى إليه , وقد تغيرت الرموز واستحدث الكثير منها ففي حياتنا الآن التليفون المحمول والقطار والسيارة والطائرة والكومبيوتر والساعة والمطبعة والتليفزيون وكلها خارج نطاق رمزيات ابن سيرين وتفسيرات الأحلام التي يقوم بها بعض الأشخاص من منظور ديني لاتعطي أهمية لحياةالشخص صاحب الحلم , وإنما تفترض أشياءا متعلقة بالحلال والحرام والجنة والناروالألوهية والنبوات والملائكة والجن وعوالم الغيب , ولذا فالمفسر لا يهتم بسؤال الشخص عن ظروفه الشخصية وعن أحداث حياته الماضية أو الحاضرة .
ومع كل هذا علينا أن نعترف أن التعامل مع الحلم مثل التعامل مع نص أدبي أو فني نقوم بقراءته نقديا , والقراءة النقدية قد تقترب أو تبتعد من النص الأصلي وقد تنتقص منه أو تضيف إليه , ولكنها في النهاية ليست هي هي النص الأصلي , وليست معلومات مؤكدة وموحدة , بل يبقى النص الأصلي يحتمل الكثير من القراءات والتأويلات والتداعيات .
وهذا ربما يجعل تفسير الأحلام أقرب إلى الفن المنضبط ببعض القواعد العلمية , أو العلم المرتكز على بعض القواعد الدينية والفنية والثقافية والفلسفية والأدبية . وربما هذا الغموض هوالذي جعل تفسير الأحلام يقع في أيدي الكثير من المدّعين والمشعوذين والله الموفق لما يحب ويرضى .