محيط ـ عادل عبد الرحيم
تفسير الأحلام عالم مليء بالأساطير
يبقى الحديث عن عالم الغيب المليء بالتهويل والألغاز مادة تشويقية لا تسأمها النفس سواء إذا قرأناها أو شاهدناها أو حتى سمعنا عنها من باب الأساطير.
وفي سوريا حالة خاصة لعالم الغيبيات هذا، حيث تكتظ المكتبات بالمئات بل الآلاف من المؤلفات التي تتناول هذا العالم وتشكل أكبر نسبة كتب تباع في المكتبات، وكما يؤكد "محمد.ذ" فإن كتب تفسير الأحلام والرؤى تتجاوز مبيعاتها في مكتبته التي يملكها في حي الحلبوني بدمشق أي كتب أخرى علمية كانت أو أدبية، كما أنّ الطلب على هذا النوع من الكتب بازدياد سنويّاً.
فهل تفسير الأحلام علمٌ له أصول وقواعد أم أنه نوع من أنواع الدجل والشعوذة والضحك على الذقون، يشبه ضرب الودع وقراءة الطالع والفنجان؟؟، هل هي رسالة تحتوى على بشرى أو تحذير أو تنبيه؟، أم أن الأمر ليس إلا هواجس لا معنى لها، وتخاريفُ نومٍ بعد وجبةِ عشاءٍ ثقيلة.
مفسرون دجالون
الرؤية وكما يصفها أحد مفسري الأحلام فضل عدم ذكر اسمه هي انطلاق للروح وانفصال وقتي عن الجسد إلى عالم الغيب لترى ما شاء الله لها أن ترى من غيبيات وأحداث وقعت في بلد أخر لشخص نعرفه أو أحداث ستقع في المستقبل بعد يوم أو أسبوع أو سنة بل وقد تتحقق بعد أربعين سنة كرؤيا يوسف عليه السلام، بحسب التحقيق الذي أجراه الصحفي بشار دريب ونشر بجريدة دي برس الإليكترونية.
بعض الأدوات المستخدمة في السحر
غير أنّ الدكتورة ليلى خليل داوود أستاذة علم النفس الاجتماعي بجامعة دمشق تؤكد عدم وجود أي علاقة بين الأحلام أو الرؤى والواقع، وأنّ هذه الاعتقادات كانت سائدة قديماً، وأنّ ما يستطيع المفسرين تفسيره؛ أو ما يحدث من هذه الأحلام هو استنتاجات منطقية يستنتجها "المفسر"، كما أنّ أغلب هذه التفاسير لا تتحقق في الواقع.
فالأحلام وكما ترى داوود قريبة من الواقع: "برأي الإنسان لا يتوقف نشاطه أثناء نومه لكنه يتدنى بمعنى أنّ ذهن الإنسان يبقى يفكر بالحياة التي يعيشها وهو ما يراه في نومه، حيث أنّ الرؤى أو الأحلام على حدٍ سواء أنواع من التفكير لا يوجد فيها ترابط مع عالم اليقظة الذي يعيشه الإنسان".
ويؤكد مدير مركز الدراسات الإسلامية الدكتور محمد حبش على كلام الدكتورة ليلى، مشيراً إلى أنّ من غير المنطقي الاستشهاد بقصة سيدنا يوسف الذي عرف بتفسير الأحلام، يقول حبش: "ما جرى لسيدنا يوسف هو معجزة وانتهت هذه المعجزة برحيله، مؤكداً أن الرسول محمد عليه الصلاة والسلام كان يسأل أصحابه إذا رأى أحد منهم حلما جميلاً أن يرويه لأصحابه ليسعدهم لا أكثر، أما من رأى حلماً سيئاً فيقول له: "استغفر الله فإنه لا يضر" وهذا حسب تأكيد حبش بيان واضح من الرسول بأن الأحلام والرؤى لا ينشأ منها أي حكم شرعي، وإنما يستأنس بها في نشر المحبة".
غير أنه وعلى الجانب المقابل يقف الدكتور عبد الرحمن الغوش أستاذ الفقه بمعهد الفتح الإسلامي والأب نزار مباردي مدافعين عن الرؤيا ومفسروها ليؤكدا معاًً أنّ بعض المفسرين عندهم القدرة التي تمكنهم من تفسير هذه الرؤى، لكن ليس كلها صحيح، غير أنّ حبش يخالفهم الرأي ليؤكد من جهته أنّ جميع من يفسر الأحلام والمنامات والرؤى على شاشات التلفاز هم "دجالون" فلا يعلم الغيب إلا الله، ولو علم هذا الخير أحد من البشر لكان العلماء والفقهاء.
حقيقة أم خيال؟
يقول رهف، منذ أكثر من عامين أدمنت على شراء كتب تفسير الأحلام، بالإضافة لإنفاقها معظم راتبها على الاتصال بالمحطات الفضائية لسؤال المفسرين عن ما تراه في أحلامها، تقول رهف: "الكثير من أحلامي تتحقق، وبعد أن شاهدت في أحدها أني استلمت وظيفتي -وتحققت هذه الرؤيا- لم أقدر إلا أن أتابع في هذا الطريق".
أحد شعائر جلسات السحر والدجل
جورج هو الآخر يؤكد وقوع الرؤى، فلم تمرّ سنة حسب قوله دون أنّ تتحقق بعض رؤاه فالله وحسب رأيه يتحدث مع البشر من خلال الأحلام، يقول جورج: "أنا أؤمن بالأحلام والرؤى ومعانيها حيث أنها شيء خاص بين الإنسان والرب، مؤكداً أنّ الله قد تحدث لأناس عديدين في الكتاب المقدس من خلال الأحلام، ومثال لذلك يوسف ابن يعقوب (تكوين 5:37-10)، ويوسف خطيب العذراء مريم (متي 12:2-22)، وسليمان (ملوك الأولي 5:3-15)، وكثيرين آخرين (دانيال 1:2 و 1:7 و متي 19:27)، وهناك أيضاً نبؤة يوئيل (يوئيل 28:2)، التي دونها الرسول بطرس في أعمال الرسل 17:2، والتي تذكر أن الله يستخدم الأحلام".
ليس كل الأحلام صحيحة أو من الممكن أنّ تنفذ، فالكتاب المقدس أو التعليمات الربانية تؤكد أنّ النائم يكون مستيقظ دائماً للصلاة كما يقول مباردي، مضيفاً :"هذه الأحلام ممكن أن تكون من الشيطان أو حلم عادي، فالإنسان وحسب رأيه يجب أنّ يكون متيقظاً دائماً لمحاربة أي شيطان في المنام".
وهنا يميز حبش بين الرؤيا والحلم فجموع العلماء وعلى حد قوله أقروا أن الاولى تشمل الرؤى الحسنة التي يراها الإنسان كالجنة، في حين أنّ الحلم هو الأشياء السيّئة التي يراها الإنسان كالنار أو العذاب، يقول حبش: "نحن مأمورون بأن ننشر ما نراه من الرؤيا الصالحة الطيبة وأن نترك ونتجاوز الأحلام السيئة".
غير أنّ الطبيب النفسي محمد الدندل ينفي وجود أي فرق بين الأحلام والرؤى، وأنّ علم النفس والطب النفسي لا يعترف بوجود هذه الفروق، وهي موجودة فقط في التفسيرات الدينية.
ما يراه البشر في أحلامهم هو وكما تقول الدكتورة ليلى "أحلام تنبئيه" مشيرةً إلى أنّ الإنسان الذي يؤلمه ضرسه نهاراً ولا ينتبه له، فإنه في الليل وبعد الاسترخاء يحس بألم قوي فيحلم أنّ ذهب لإجراء عمل جراحي لضرسه، وبعد هذا الحلم يذهب الشخص في الواقع لإجراء هذا العمل فيعتقد أنّ ما رآه قد تحقق، غير أنّ ما جرى هو أمر طبيعي ومتوقع.
مجتمع شرقي
بعض المضبوطات عثر عليها بمنزل ساحر أفريقي
تقول الدكتورة ليلى أنّ النائم يتعرض أثناء نومه لأمور حسية –كطرق الباب- فيراها في نومه ويربطها بحوادث أخرى أثناء حلمه ويفسرها بعد حدوثها على أنها رؤى.
كما أنّ النائم يفكر بما يرغب به، ففي الواقع تصطدم هذه الرغبات ببعض العوائق والعقبات فيراها في نومه بأشكال رمزية، بسبب الرقابة أثناء اليقظة، فالإنسان الذي يكره شخص ما ولا يستطيع التعبير عن كرهه له، فإنه يراه في أحلامه على شكل حيوان مفترس أو أفعى.
تفسير الأحلام الذي شاع في أوساط المجتمع بكافة شرائحه ودياناته مرتبط وكما يقول حبش بعلم النفس وليس بالشريعة: "لا يوجد في كل كليات الشريعة شي اسمه تفسير الأحلام، فالطالب في هذه الكليات يتخرج ويأخذ درجة الدكتوراه ولا يتعلم تفسير حلم، حيث لا يوجد بالفقه كله باب لتفسير الأحلام، ويرى الإسلام الأحلام أو الرؤى موضوع نفسي بحت، ولا يجوز إقحام الدين فيه".
ويؤيد الدندل ما ذهب إليه حبش بأن موضوع الأحلام والرؤى مرتبط بعلم النفس ولا علاقة للدين بهذه الأمور، يقول الدندل: "الأحلام أو الرؤى مرتبطة باستدعاء بعض الأحداث التي مرت بالإنسان خلال اليوم، أو بالأشياء التي تشغل باله قبل النوم مباشرة.
ومن جهة أخرى فإنّ الأحلام والرؤى تتضمن الأفكار والرغبات والصراعات الكامنة في العقل الباطن من قبل، والأشياء التي تظهر في أحلامنا عادة هي تعبير عن رغبات مكبوتة لا نستطيع إظهارها للآخرين في الواقع، أو بعض التطلعات والأمنيات التي ليس بمقدورنا الوصول إليها عملياً، وتكون الفرصة متاحة أثناء النوم للتنفيس عن هذه الأشياء وهي من محتويات العقل الباطن بما يحقق لنا الإشباع الذي نعجز عنه في الواقع أثناء اليقظة".
الرؤية أو الحلم قد تكون من الله لتنبيهه لأي عملٍ يريد الله كما يقول مباردي، مضيفاً أنّ الإنسان الصادق يستطيع التفريق بين ما يريده الله وبين ما تريده الشياطين التي تظهر في الأحلام، كما أنّ الرؤى ورد ذكرها في مواقع كثيرة من الكتاب المقدس كما أنّ بولس الرسول ذكرها.
وكالعادة يتفق الغوش مع مباردي بأنّ الأحلام من عند الله فيها توجيهات لعباده، يقول الغوش: "الرؤيا الصادقة هي من أجزاء النبوة كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الرؤيا الصادقة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة، وصدقها بحسب صدق الرائي، وأصدق الناس رؤيا أصدقهم حديثا".
كذب المنجمون ولو صدفوا
ما أكده الأب نزار مباردي والشيخ عبد الرحمن الغوش حول الأحلام والرؤى، فسرته داوود بأن مجتمعاتنا الشرقية على اختلاف دياناتها تتأثر بالأمور الغيبية، فنحن وحسب وصفها مجتمعات روحية وليست موضوعية، ومن هنا تذهب داوود إلى أنّ هذه الأفكار توجه سلوكنا، مضيفة أنّ ما تمر به مجتمعاتنا هو أمر طبيعي نحو الموضوعية فالمجتمعات تتطور كالإنسان الذي يمر بمراحل مختلفة في حياته.
الكذب على الله
بعض الدجالين وكما يقول الدكتور عبد الرحمن الغوش أستاذ الفقه بمعهد الفتح الإسلامي استغلوا اشتغال الناس بالرؤى, فباتوا ينشرون رؤى باطلة لتجبر الناس على اللجوء إليهم كتلك الورقة التي توزع بين فترة وفترة عن رؤيا الشيخ أحمد خادم الكعبة، فيها تهاويل وخرافات ومبالغات وأساطير، ما أنزل الله بها من سلطان، وفي نفس الورقة طلب أن تكتب هذه الرؤيا وتوزع، وأن من استهان بها وأحرقها أو أتلفها، فإنه يعرض نفسه للعقوبة العاجلة أو الآجلة، وهذا حسب رأيه كذب وافتراء، وهذا من أشد أنواع الكذب كونهم يكذبون على الله.
الجهل والهروب من الواقع وكما يشير حبش سبب لجوء الناس إلى المفسرين الذين ملئوا القنوات الفضائية ومواقع الإنترنت، حتى إنّ الكثير منهم بنوا لأنفسهم هالة من التبجيل بين مساعديهم وأتباعهم ليفرضوها بعد ذلك على المجتمع، يقول حبش: "لا يجوز فرض أيّة أحكام شرعية استناداً إلى الرؤى والأحلام، كما أنّ هناك قاعدة ذهبية علمنا إياها الرسول صلى الله عليه وسلم هي أنّ :"من رأى منكم خيراً فليحدث به من يحب، وإذا رأى شراً فليستغفر الله ولا يحدث أحداً فإنها لا تضرّه"، بمعنى أنّ الرؤيا يستأنس بها لنشر البشارة والمحبة والخير والمودة".