علاج السحر بين الشرع والشعوذة
تفسير المشكلات النفسية والأخلاقية الاجتماعية بالسحر أو الحسد الذي يتعلق به الجان معتقداتٌ زاد الاقتناع بها في الآونة الأخيرة، خاصةً بين النساء والبنات.
من أجل ذلك جاء هذا الملف (علاج السحر بين الشرع والشعوذة) لنقف على حقيقة السحر والمرض النفسي، والحدود الفاصلة بين العلاج النفسي والإيماني والشعوذة.
- بسبب العنوسة.. بناتنا في ضيافة دجال!
- خمسة مليارات دولار إنفاق العرب على الشعوذة
- بين الطب النفسي والشعوذة
- الحدود الفاصلة بين الشعوذة والعلاج بالقرآن
بسبب العنوسة.. بناتنا في ضيافة دجال!
تؤكد الإحصائيات أنَّ ثلث شبابنا تقريبًا في سن العنوسة وغير قادرين على الزوج لأسبابٍ ترجع إلى غلاءِ المهور وعدم قدرة الشباب على تحمُّل تكاليفِ الزواج ووضع الشروط التعجيزية من جهة أهل الزوجة أو العكس.
كما أكدت دراسة نشرها الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء أنَّ 37% من المصريين عوانس بواقع 6 مليون شاب و3 مليون فتاة تقريبًا، كما أكدت دراسة جزائرية نشرها موقع (إسلام أون لاين) أنَّ: 31% من الجزائريات عوانس، ونفس النسبة في الإمارات أيضًا، إلا أنه ورغم وضوح أسباب العنوسة نجد أنَّ نسبة عالية من العوانس خاصةً النساء أكثر ترددًا على السحرة والمشعوذين لإيجاد حلول لمشكلاتهم، ومع غياب الوعي الاجتماعي على مستوى الفرد أو على مستوى مؤسسات الزاوج والتي تفتقر إلى حداثة الرؤية والتعامل والتعاطي مع المشكلة واعتمادها على متطوعين ليسوا من ذوي الخبرة كل هذه العوامل تجعل مشكلة العنوسة في عالمنا العربي "محلَّك سر"؛ مما يضطر الكثيرات ممَن يُعانين من العنوسةِ إلى اللجوء إلى المشعوذين.
قلق
في البداية تقول إحدى الفتيات: أنا قلقة جدًا من تأخر زواجي؛ حيث إنني تعديتُ العشرين عامًا بكثير ومعظم صديقاتي تزوجن وأنجبن أكثر من طفل وعلى الرغم من إنني على قدرٍ من الجمالِ وظروفي الاجتماعية جيدة إلا إنني فشلتُ في الارتباطِ بالرجلِ المناسب، ولهذا قمتُ بالتوجهِ إلى بعض المعالجين بالقران فلم أجدَ حلاً لمشكلتي عندهم والآن لا أعرف ماذا أفعل؟ ولم يعد أمامي إلا السحرَ والشعوذة ولو على سبيل التجربة على الرغم من أنني أرفضهم!!
السحر ليس الحل
أما علياء- آنسة فوق الثلاثين- فتقول: تأخَّر سن الزواج بالنسبة للفتيات عامة ليس الحل فيه التوجه إلى السحر والشعوذة، ولكن مواجهة الأسباب الحقيقة لهذا الأمر مثل الظروف الاقتصادية السيئة والتيسير من تكاليف الزواج، وأيضًا قبول الزواج قبل إتمامِ التعليم، فأنا شخصيًّا تأخَّر زواجي بسبب تلك العوامل؛ حيث إنني فضَّلتُ أن أواصل تعليمي وأحصلُ على أعلى الشهادات وألتحقُ بوظيفةٍ ثابتة أولاً ثمَّ أتزوج بعد ذلك، وعندما تحقق لي كل هذا لم أجدَ الزوج المناسب الذي يفهمني ويستطيع أن يساعدني في تحقيق آمالي وطموحاتي.
قسمة ونصيب
وتقول ف.أ: إنَّ عنوسة بعض الفتيات ليس بإرادتهن ولكنها ترجع إلى أسبابٍ عديدة، ولكن في النهاية لا بد أن تعلم كل فتاة أنَّ كل شيء قسمة ونصيب، وهذه هي إرادة الله سبحانه وتعالى، وأنَّ الحل سيكون بيده وليس بيد الساحرِ أو المشعوذ؛ ولذلك علينا جميعًا أن نتمسك بكتابِ الله وبسنة نبيه- صلى الله عليه وسلم- والتي وضَّحت لنا كيفية التغلب على شهواتنا وغريزتنا بالصوم والصلاة وقراءة القران، وكل هذا يُهذِّب النفس ويقيها من الشيطان.
وتضيف (أ.خ) أنَّ عمرها 36 عامًا ولم تتزوج حتى الآن وأنها لا تستطيع أن تتحمل رؤية البنات اللاتي يصغرنها في السن وهُنَّ يمشين في الشوارع وأيديهن مشتبكة مع خُطَّابهن، وهي لا تعرف الحل لمشكلتها؛ ولذلك هي على استعدادٍ لأن تفعل أي شيء في سبيلِ حلِّ تلك المشكلة.
نقص الوعي الديني
وعن تلك المشكلة تقول الدكتورة هالة منصور- أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس-: لا شكَّ أنَّ تأخُّر سن الزواج لدى البنت خاصةً في مجتمعاتنا الشرقية يؤدي إلى اتجاهها إلى الدجالين عسى أن تجد حلاً لمشكلتها؛ لأنَّ الوضع الطبيعي للبنت في مجتمعنا أن تتزوج في سنٍّ معينة، وعندما يتأخر زواجُها عن هذا السنِّ ينظر إليها المجتمع نظرةً سيئةً مما يجعل الأهل قبل البنتِ يسعون إلى اتباع أي أسلوبٍ يُعجِّل من زواجها فيتجهون إلى السحرةِ والمشعوذين ويهملون الأسبابَ الأساسية التي جعلت ابنتهم تتأخر عن الزواج والذي قد يكون سببه مغالاتهم في مهر البنت، أو لكونِ أخلاقها غير إسلامية.
وتضيفُ قائلةً: هناك عدة عوامل تساعد على تنامي ظاهرة اتجاه العوانس وأسرهن إلى المشعوذين من أجل البحث عن عريس- منها: نقص الوعي الديني، والجهل الذي أدَّى إلى سلبيةٍ لدى الآباء في إيجاد حلول لبناتهم فيلجأون إلى هذه الطريقة على سبيل الاعتماد على الغير في حل المشكلة، ومنها أيضًا غياب الوعي الاجتماعي الذي يجعل الأهل يتجاهلون الأسباب الموضوعية التي حالت دون زواج بناتهم، والتي قد يكون من أسبابها ضعف العلاقات الاجتماعية السوية بين الأهل والأقارب مما حال دون إيجاد تعارفٍ جيدٍ بين أفراد المجتمع أو حتى أفراد العائلة الواحدة والتي تُساعد على تبادل الثقة بين الشبان والفتيات فتكون بدايةً لمشروعات زواج، ومن تلك الأسباب أيضًا العادات الاجتماعية السيئة مثل ارتفاع المهور ونفقات الزواج والمغالاة في الطلبات والتكليفات التي تقع على كاهل الشاب.
المستوى الثقافي
أما الدكتورة هانم صلاح- أستاذ علم النفس بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية- فترى أنه لا يمكن أن نُصدر حكمًا عامًّا بأنَّ كل البنات العرائس يتجهن إلى السحرة لفكِ عقدهن وإيجاد عريسٍ مناسبٍ لهن، ولكنَّ المسألة مرتبطة بعدةِ عوامل تؤثر في البنت التي تتجه إلى السحر ومنها المستوى الثقافي والتعلمي؛ حيث إنَّ الفئات الأقل تكون نسبة لجوئهن إلى السحرةِ أكبر من البنات الأكثر تعليمًا وثقافةً، وهو الأمر نفسه الذي جعل النساء عامةً أكثر اعتقادًا في السحر من الرجال لأنهنَّ أقل تعليمًا من الرجال أيضًا.
معتقدات خاطئة
ومن العوامل التي تزيدُ من اتجاه النساء إلى السحر هو المعتقدات الشرقية الخاطئة التي كانت لا تقبل أن تذهب المرأة إلى المسجد لتلقي دروس العلم والوعظ الديني.
وتضيف الدكتورة هانم قولها: إنَّ تأخُّر الوعي الثقافي في مجتمعاتنا خلق شريحةً من الأمهات والجدات الأميات، ونظرًا لأنَّ البنت تقضي معهم معظم ساعات اليوم فإنها تتأثر بما يكنونه من أفكار تعتقد في الخيالات والسحر والدجل، مما يجعل البنت ترى في السحر الوسيلة الأولى التي تلجأ إليها لكي تتخلص من مشكلاتها الاجتماعية والنفسية ومنها العنوسة.
وتوضح الدكتورة هانم أنَّ التخلص من هذه العادة السيئة لا بد أن تعيش البنت واقعها الحقيقي خارجَ البيت مع التزام قواعد وتعاليم الشريعة الإسلامية، وثانيًا لا بد من نشرِ الوعي الثقافي بين النساء عامة وهذه الثقافة لا بد أن تكون أدبية وعلمية وفكرية ودينية في وقت واحد، وثالثًا لا بد أن يبحث الأهل عن الحلول الواقعية لتأخر زواج ابنتهم.
خمسة مليارات دولار إنفاق العرب على الشعوذة
اللجوء إلى السحر والشعوذة ظاهرة تستفحل بين النساء أكثر من الرجال لأسباب يربطها البعض بالجهل والأميَّة والفقر وتفاقم المشكلات الاجتماعية، على الرغم من أن ثَريَّاتٍ ومتعلماتٍ هُنَّ من بين المترددات، ورغم اختلاف الدوافع والأهداف فإنَّ الكثيرات من النساء يلجأْن إلى السحر؛ حيث يرون فيه مخرجًا من مأزقٍ ما يمررْن به.
وتعد ظاهرة العرافة والسحر والشعوذة ظاهرةً قديمةً كانت تلجأ إليها الشعوب البدائية في تفسير الظواهر الطبيعية، كالزلازل والأعاصير وشروق الشمس وغروبها، وجاء الإسلام وحرَّم هذه العادات، ورغم ذلك فإنَّ الظاهرةَ ما زالت قائمةً وموجودةً بشكلٍ مرتفعٍ وفي جميع الشعوب.
وتعتبر المرأة في عالمنا العربي من مدمنات التعامل مع السحَرَة والدجَّالين، ويرى خبراء الاجتماع أنَّ هناك مجموعةً من الدوافع التي تشكل علاقة المرأة بالسحر، فهي إما أن تلجأ إلى السحر مضطَّرةً بغرض التداوي أو الاستشفاء، وإما أن تلجأ إلى السحر لجلب محبة الرجل وإحكام السيطرة عليه.
250 ألف دجَّال!!
وقد قام الدكتور محمد عبد العظيم بمركز البحوث الجنائية في القاهرة بدراسة حول السحر والشعوذة في العالم توضح أنَّ 250 ألف دجَّال يمارسون أنشطة الشعوذة في عموم الدول العربية، وأنَّ العرب ينفقون زهاء خمسة مليارات دولار سنويًّا في هذا المجال, وتؤكد الإحصائيات أنه يوجد في العالم العربي عرَّافٌ أو مشعوذٌ لكل ألف نسمة في عالمنا العربي.
وفي دراسة أخرى أعدتها الدكتورة سامية الساعاتي عن السحر والشعوذة ونشرها موقع (الجزيرة) أكدت أنَّ 55% من المترددات على السحرة هنَّ من المتعلمات ومن المثقفات، و24% ممن يُجدن القراءة، وتعلق الدكتورة علياء شكري- أستاذ علم الاجتماع والفلكلور في جامعة عين شمس- على هذه الدراسة قائلةً: إنَّ هذه الأرقام كبيرة جدًا، ومن الصعب التحديد في هذه الموضوعات التي تأخذ طابعًا سريًّا في الغالب؛ ولذا فإنه من المتوقع أنَّ الأرقام قد تكون أكبر من ذلك بكثيرٍ جدًا..!!
إحباط وأزمات
وتضيف الدكتورة علياء أنَّ المثير للدهشة أنَّ هذه الظاهرة منتشرةٌ في مختلف فئات المجتمع، وقد كانت الدراسات في البدايات الأولى لهذا التخصص ترى أنها موجودة في الطبقات الدنيا في المجتمع؛ حيث المحرومون من التعليم، ويزداد الإحساس بالإحباط والأزمات، والإحباط هنا نوعان: هناك إحباط جماعي وإحباط فردي، ولهذه الظاهرة أسباب كثيرة، منها تفشي الأمية، وارتفاع نسبة الفقر، وهذه الأشياء تؤدي بالنساء إلى الضعف وإلى السقوط في أحضان السِحْر والسَحَرة والعرَّافين؛ من أجل البحث عن حلولٍ سريعةٍ بعيدًا عن الواجب والمسئوليات.
وكان من المتوقع أن يتم الاعتماد على التعليم كمشروعٍ اجتماعي يخلص المجتمع من كافة المشكلات كالسحر والشعوذة، ورغم مظاهر التقدم الملحوظة- سواءٌ على مستوى التعليم أو على المستويات التكنولوجية- فإنَّ ظاهرة الشعوذة والعرافة ما زالت قائمةً وما زالت تلتهم بشكلٍ مرتفعٍ دخلَ المجتمع، وما زال الإقبال عليها ليس فقط من طرف النساء بل حتَّى من طرف الرجال.. واللجوء إلى السحر والشعوذة هو نوع من التعويض أو الهروب إلى الأمام؛ لأنه لا تتوفر للفرد مقومات وشروط المواجهة ومقاومة التحديات الممثلة أساسًا في كثير من القضايا الاجتماعية، كالعنوسة أو الفشل في المشاريع التجارية واختلال العلاقة الأسرية بسبب الطلاق.
في مصر.. اختلال العلاقة الأسرية
وتستطرد الدكتورة علياء في توصيف أسباب الظاهرة والتي ترى أنها ظاهرة نسائية أكثر منها رجالية، فتقول: تذهب المرأة في مصر إلى السَحَرة والمشعوِذين لأسبابٍ تعود إلى اختلال التوازن في العلاقة الأسرية، خاصةً بين المرأة والرجل، والظاهرة لا تستثني المرأة المثقفة أو المتعلمة؛ حيث إنَّ التعليم في مصر يؤدي إلى الحصول على شهادات واحتلال مواقع اجتماعية فقط، لكنه لا يعتبر مدخلاً لاكتساب الوعي الثقافي والسياسي، وهذا أيضًا من الأسباب التي تدفع بالنساء- حتى المثقفات- إلى اللجوء إلى كهوف السَحَرة.. نضيف إلى ذلك أنَّ المرأة ما زالت مهمشةً ومُبعدةً من مراكز اتخاذ القرار، سواءٌ داخل البيت أو داخل المراكز الوظيفية أو داخل المؤسسات بصفةٍ عامةٍ؛ ولذا تشعر دائمًا أنها مهددة في الاطمئنان النفسي لها، وفي استقرارها العائلي.
هذا بالإضافة إلى العنوسة والرغبة في البحثِ عن الزوج أو الرغبة في الاحتفاظ بالزوج.. كل هذه الأشياء تدفع المرأة عن ضعفٍ فعلاً إلى السقوط في أفخاخ السَحَرة والمشعوذين، معتقدةً أنَّ السحْر وسيلةٌ لامتلاك سلطة مفقودة، أو وسيلةٌ لترميم كرامة مهضومة، ولكنَّ هذا ليس مبررًا لكي تخوضَ المرأة في مثل هذه المجالات والتي قد تؤدي بها أحيانًا إلى ارتكاب جرائم من خلال المسِّ بالزوج.. إمَّا في صحته أو حتى في قدرته العقلية، ومن هنا ينبغي أن تكون محاربةُ هذه الظاهرة محاربةً موضوعيةً واجتماعيةً وسياسيةً ونفسيةً من خلال إيجاد حلولٍ ناجحةٍ، وقد تكون المشكلات الاقتصادية هي السبب الرئيسي في إقبال النساء على السحَرة والشعوذة.
في أفغانستان.. لتحسين الظروف
وتُعد نساء أفغانستان الأكثر إقبالاً على العرَّافين، ويَردُّ اجتماعيون ذلك إلى انخفاضِ معدلات التعليم وانتشار الأميَّة وعدم الوعي في بلدٍ عانى الكثير من جرَّاء الحروب المتتالية، وغالبًا ما تلجأ المرأة في أفغانستان إلى العرَّاف.. إما للعلاج أو لتحسين الظروف المعيشية لأسرتها، أو للبحث عن الأفضل في مستقبلٍ مجهولٍ، والأغرب من كل هذا فإنه من الممكن استبدال الذهاب إلى عرَّاف بدراسة جدوى مشروع اقتصادي..!!
منتشر في المغرب
علاج أحد المصابين بالضرب!
تعتبر المغرب من أكثر الدول شهرةً في هذا الموضوع، فالسحْر والشعوذة أشياءٌ منتشرةٌ بكثرةٍ في المغرب، وقد جاءت عقوبةُ ممارسي هذه الأشياء شديدةً للغاية، ولكنَّ السؤال الذي يُطرح: كيف ستصل هذه القضايا إلى القضاء وهناك تواطؤ بين الممارِس لفعل السحر والشعوذة والتنجيم وبين المستفيد من هذه العملية؟!
وفي اليمن.. للعلاج
وفي اليمن يُعد السحر والشعوذة والدجل والتنجيم ملاذًا لآلاف اليمنيين ممن لا يثقون بالطب الحديث أو لا يجدون عنده حلولاً لمعضلاتهم النفسية أو أمراضهم العضوية أو حتى مشكلاتهم الاجتماعية، ويبذلون من مالهم الكثير بحثًا عن الوهم، لكنَّ الكثيرين منهم يدفعون ثمنًا لذلك حياتَهم أو ما تبقى من صحة في الجسد أوعافية في العقل أو سلامة في الروح.
السحر.. أشكال وألوان
وقد ذكر الشيخ زياد عزام في موقع (شبكة الطب الروحاني) أنَّ أنواع السحر كثيرة، منها: "حسد العين" و"سحر التفريق" و"الربط" و"سحر الجوارح (المرضي)" و"سحر الخوف" و"سحر الفشل" و"اليأس" و"الفقر" و"سحر الجنون" و"سحر تعطيل الزواج" و"الوقف" و"سحر المحبة" و"سحر التهييج".
ويُعد "سحر التفريق" هو الأكثر شيوعًا بين الناس، وهو الغالب استخدامه من قِبَل السَحَرة على مرِّ الأزمان.. يقول الله تعالى: ﴿فَيَتَعَلّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلّمُونَ مَا يَضُرّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ﴾ (البقرة: من الآية 102) فكم من زوجٍ فُرِّق بينه وبين زوجته، وكم من أخٍ فُرِّق بينه وبين أخيه وأخته، وكم من ولدٍ فُرِّق بينه وبين والديه!!
ويضيف أنَّ المرأة قد تلجأ إلى "سحر الربط" بغرض أخذ الرجل من زوجته ويُعَدُّ هذا السحر من أشد أنواع الإيذاء للرجل والمرأة.. أما "سحر الجنون" فيُعرف إذا تمركز واستقرَّ شيطانُ السحر بمخ الإنسان فإنَّ الله قد يمكنه من التعرف على خلايا المخ ووظائفها واستخدامها، أما إذا استحوذ الشيطانُ على المسحور "بسحر الخوف" فإنَّ ذلك يجعله يخافُ من كل شيء، فيجعله يستوحش المكان الذي هو فيه، ويخوفه من الموت، ويخوفه من أبيه ومن مدير عمله، أو يخوفه من الوحدة فتجده يحتاج لمَن يكون بجواره دائمًا، ويوسوس له الشيطان حتى يجعله يظن أنه مراقَبٌ من كل الناس ومن رجال الشرطة، فتجده دائمًا في هلعٍ وفزعٍ وخوفٍ، وقد يخوفه الشيطان من أقرب وأحب الناس إليه، وتجده يفزع عند سماع أي صوتٍ مفاجئ، مثل جرس الباب والتليفون، يخاف من المجهول أن يهجم عليه في أي وقت.
وإذا كرهت المرأةُ شخصًا ناجحًا فإنها تلجأ إلى "سحر الفشل" و"اليأس" و"الفقر" والذي يجعل الإنسان المسحور في فشلٍ متواصلٍ، فإن كان طالبًا يكون كثيرَ الرسوب وليس له القدرة على التركيز والحفظ؛ فلا يذاكر ولا يواصل الدراسة، وإن كان موظفًا فتجده لا يعمل ولا يستقر في الوظيفة إلا الوقتَ اليسير ثم يبحث عن غيرها، وتجده فاشلاً في أعماله وفاشلاً في زواجه وفاشلاً في علاقته مع الناس، يائسًا من المستقبل، يائسًا من الحياة، مبذِّرًا لماله، بل المال لا يستقر في يده، ينفقه على أشياء تافهة ويعطيه لمَن لا يستحق له.
وقد تلجأ المرأة إلى السحر والشعوذة لغرس بذور الفرقة أو إثارة العداوة والبغضاء بدل المحبة والوفاق، أو إثارة العناد وحب الانتقام بدل العفو والصفح، وقلب معاني الأقوال والأفعال، وتجسيم وتعظيم أسباب الفرقة والخلاف والتشكيك في نظراتِ وأفعال وتصرفات المسحور نفسه، والتشكيك في نظرات وتصرفات وأقوال وأفعال أحب الناس له؛ حيث يرى العدوَّ صديقًا والصديقَ عدوًا، ويعمل بغيرِ إدراكٍ ضد مصلحته، بالإضافة إلى عدم القدرة على التكيُّف مع الآخرين.
بين الطب النفسي والشعوذة
تأخَرَت في الزواج.. إذن هناك مَن عمل لها عملاً، فلتذهب إلى العرَّاف ليُبطل هذا العمل..!!
هناك مشكلات مع زوجها.. إذن هي مسحورة ومعمولٌ لها عمل، فلتذهب إلى الدجَّال والعرَّاف ليفكَّ السحر ويبطل العمل..!!
ابنها متمرد لا يسمع الكلام أو منحرف أخلاقيًّا ربما يكون مسحورًا أو ممسوسًا، فلتذهب به إلى العرَّاف والدجَّال ربما ربنا يهديه ويهدأ باله عندما يبطل العمل وينفك السحر..!!
هكذا أصبح حال الكثيرين من المجتمع لا همَّ لهم سوى فكّ العمل، حتى ارتادوا أوكار العرَّافين والدجَّالين دون وعي أو تفكير، فما هي الشعوذة؟ وما الفرق بينها وبين المرض النفسي؟! حول هذه التساؤلات كان لنا هذا الحوار مع الدكتور حاتم محمد آدم- استشاري الأمراض النفسية العصبية من مصر:
* ما العلاقة بين الشعوذة والطب النفسي؟!
** لا يصح أبدًا ومن غير اللائق المقارنة بين الشعوذة والدجل وبين الطب النفسي، فالأول أمرٌ لا يصحُّ عقلاً ولا قانونًا ويعاقَب مرتكبُه بالحبس والغرامة، والثاني أمرٌ تقترن به كليات الطب، وعلمٌ مبنيٌّ على تصورات وأبحاث، وله تراخيص قانونية، ويشهد المتخصصون فيه في المحاكم شهادات تُبنى عليها أحكام، وله فروع دولية في الأمم المتحدة وجمعيات عالمية ومحلية، وتعتبر مهنة الطب النفسي من أعلى المهن دخلاً في الدول المتقدمة، وعياداتهم عليها طلب وضغط كبير، والأمر الأول (الشعوذة) سمتٌ للتخلف والجهل، والثاني سمت حضاري، فكيف تتم المقارنة بينهما لمجرد اشتباه بأن المرضى هنا وهناك يعانون من أعراض مشتركة؟!
مسلمون بأحد المساجد
* هل المؤمنون والملتزمون دينيًّا لا يمرضون نفسيًّا؟!
** بل يمرضون، أو بمعنى أدق قد يمرض بعضهم، وقد يكون السبب في ذلك البدء في الابتعاد عن طريق الإيمان وضعف الوازع الديني لديهم، وانشغالهم بأمور أخرى تبعدهم عن ربهم، وقد يكون السبب ضعف الجهاز التنفسي والعصبي؛ ما يجعلهم غير قادرين على تحمل ضغوط الحياة، فبعض الشخصيات تكون قابلةً للكسر مع أقل ضغوط أو مع الضغوط المتوسطة، كما قد يكون السبب أيضًا خللاً وراثيًّا تكون معه الأسرة أو بعض أفرادها لديهم استعداد للإصابة بأمراض نفسية أو عصبية، ولا بد عندئذ من التدخل الطبي لإخراجهم من أزمتهم وعبور محنتهم، لا للجوء إلى الدجل والشعوذة.
خلل داخلي
* لاحظنا في الفترة الأخيرة تزايد الإقبال على الدجالين المشعوذين، والغريب أن هذا الإقبال موجودٌ بين أوساط المتعلمين والمثقفين من أبناء الطبقات الراقية في المجتمع، فما السبب في ذلك؟!
** القضية هي الفراغ النفسي والعاطفي والعقائدي لدى الناس، فهي لا ترتبط بالمستوى الاقتصادي والاجتماعي أو بالبيئة والتعليم، فهي خللٌ داخلُ الشخص نفسه يجعله يلجأ لهذا النوع من الدجَل والشعوذة لحل المشكلات التي تواجهه في الحياة.
* ولماذا يلاحَظ ذلك أكثر وسط النساء بصفة خاصةً؟
** قد يرجع ذلك إلى طبيعة المرأة، فالمرأة انفعالية عاطفية، أحيانًا تشعر بعدم الأمان وعدم وجود قوة تستند إليها، فإذا اجتمعت كل هذه الأسباب- مع ضعف الإيمان بالله وضعف اليقين في قدرته- فقد تندفع المرأة غير العاقلة إلى تقليد الآخرين أو البعث عما سمعت عنه أنه حل.. وهو ليس بحل.
* لماذا يلجأ الدجَّالون والمشعوِذون إلى استخدام الدين كوسيلة للنصب على الآخرين؟
** هؤلاء الذين ينصبون على الآخرين متهمون بتعاطي التفكير العيني، وهو ببساطة التفكير المبني على غير قانون الأسباب والمسببات التي يعرفها العقلاء، والدين نفسه قد دعا إلى التفكير وتحليل الظواهر والأخذ بالأسباب، ومن لم يفعل ذلك فهو غير متدين ولا يؤمن بالسنة إيمانًا صحيحًا، فالأخذ بالأسباب هو سنة الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
والغيب الصحيح هو ما نصَّ عليه القرآن والحديث الصحيح من وجود الجن والسحر والشياطين، وعدم إنكارهم، أما كيف يؤثر على مسارات الأمور فهو ما لم يوضحه الكتاب والسنة، ونحن غير مطالبين بتصديقه ولا بتكذيبه، ومن دعا إلى ذلك فقد دعا إلى أمرٍ لا بينةَ له، وحسبنا الله ونعم الوكيل فيمن يشوِّهون الدين أو يستخدمونه كوسيلة لإثبات ذاتهم أو لفت الأنظار إليهم.
* هل هناك تعارض أو تضاد بين الطب النفسي والعلاج بالقرآن والرقى الشرعية الصحيحة؟! وهل يمكن الجمع بينهما؟
** لا يصح أبدًا ادعاء التناقض بين العلاج النفسي والعلاج بالقرآن والرقية الشرعية الصحيحة، بل عندما يشتد عود الأطباء النفسيين المسلمين وتزداد مكانتهم وثقلهم التقني والإبداعي فإنهم ساعتها سيتمكنون من صياغة نظرية عربية إسلامية في الطب النفسي، تعتمد أساسًا على عدم إبعاد المعتقدات الدينية والقيم الإسلامية، بل وتصوغها في إطار لا يتعارض مع التطور العلمي، وهناك محاولات جادة في ذلك (ويؤجر أصحابها إن شاء الله) وإن كانت ما زالت في مراحلها الأولى، وللعلم فإن فريق العلاج النفسي في مستشفيات إنجلترا يضم الطبيب والأخصائي النفسي والأخصائي الاجتماعي والممرضة ورجل الدين.
* ترى لماذا لا نفعل ذلك في بلادنا؟ أم أننا نقلد الغرب فقط فيما لا ينفع ولا ينهض بأمتنا؟
** إن كل من يدعي أن العلاج بالقرآن للمريض المسلم لا يفيد فهو إنسان لا يحترم عقله، ولا يحترم الإسلام، وإن من يعتقد في شيء ينتفع باعتقاده هذا ويؤثر ذلك على سلوكه لا محالة.
* ماذا نفعل مع المريض غير المسلم، أو مع من لا يعتقد في الكلام السابق نتيجة خبرات شخصية مرَّ بها؟!
** هناك وسائل وطرق لإخراجه من أزمته وعبور محنته؛ لعله يستبين خطاه بعد أن تمر محنته بسلام إن شاء الله.
* ماذا تقول لكل من يلجأ لدجَّال أو مشعوِذ لحل مشاكله ويستعمل مقولة: "اسأل مجرب ولا تسال طبيبًا"؟!
** أقول: لا تسلك درب المهالك وإن كثر السالكون، وهؤلاء الدجَّالون حِبالهم طويلة، وحين ينتهي بك المطاف ستعرف أنك ضللت الطريق، وكلامي هذا ليس دفاعًا عن الطب النفسي أو إثباتًا لوجوده تمهيدًا للاعتراف به.. فقد تخطى الطب النفسي هذه المرحلة منذ زمن بعيد، وهو الآن موجود ومعترف به وله مكانته، ولكنَّ أمتَنا دائمًا تأتي بعد حين وتناقش قضايا انتهت منها الدنيا، وكأنها معزولةٌ عن العالم غارقةٌ في متاهات لا تسمن ولا تغني.
الحدود الفاصلة بين الشعوذة والعلاج بالقرآن
مسلمون يقرأون القرآن
تعتبر قضية ما يسمى "العلاج بالقرآن" من القضايا المثيرة للجدل، وأصبحت بابًا واسعًا لولوج الكثير من المشعوِذين والدجَّالين الذين يبحثون عن غطاء قانوني ورضاء شعبي، خاصةً بعد انتشار الوعي الديني الذي رسَّخ قناعة الرفض للشعوذة والدجل، واعتبارهما من الكبائر الموجبة للعذاب، وكان لدخول فئة المشعوذين في تلك الموجة إساءةٌ لسمعة العلاج بالقرآن، والذي تحمَّس له في بداية تنامي روح الحركات الإسلامية في المجتمع وبروح متحمسة لإكمال حاكمية القرآن، حتى في المجال الطبي والنفسي.
ولذا كان لنا هذا الحوار مع أحد الأطباء الذين يمارسون فكرة العلاج بالقرآن والمؤمنين بها؛ ليضع لنا الخط الفاصل بين الشعوذة والعلاج بالقرآن، فكان هذا الحوار مع الطبيب علاء الدين محرم أحد الممارسين للعلاج بالقرآن:
* هل فعلاً هناك ما يسمى بالعلاج بالقرآن؟
** نحن نسميه العلاج الإيماني، وأرفض تسميته العلاج بالقرآن؛ لأن العلاج الإيماني يتضمن أشياء أخرى بجانب القرآن، مثل الذكر والدعاء وليس فقط القرآن، وهذا النمط من العلاج الإيماني يعتمد على زيادة الإيمان لأي شخص يعاني من اكتئاب أو خوف أو حزن شديد، وإذا زادت هذه الأمور لديه نعالجه بهذه الطريقة.
* ما الدليل الشرعي على ذلك؟
** التأصيل الشرعي لهذه المسألة هو قول الله- عز وجل- على لسان أيوب: ﴿رَبِّ إِنِّيْ مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ (ص:41) فنبي الله أيوب- عليه السلام- كان مصابًا بمرض جلدي، وقد تحدث العلماء عن هذه الآية وقالوا إن الشيطان لا يملك للإنسان ضررًا ولا نفعًا، ويمكن القول بأن أي ضرر يصيب الإنسان هو من الشيطان، بما فيها الأمراض الجسدية مثل الأنفلونزا، والدليل على ذلك أن أحاديث النبي كثيرة في وجوب تغطية الآنية وإغلاقها؛ لأن الشيطان لا يستطيع أن يكشف غطاءً، كما في الحديث الصحيح، فمعنى ذلك أن الأوبئة والأمراض التي تصيب الإنسان هي من الشيطان.
مسلمون يؤدون الصلاة
* لكن ماذا سيستفيد الشيطان إذا مرض ابن آدم؟
** بالتأكيد سوف يستفيد تعطيل المسلم الملتزم عن العبادة، وفي طريقتنا للعلاج الإيماني نحوِّل الألم إلى منفعة، ودليلنا في ذلك أن كل الأذكار التي تعلمناها هي لطرد الشيطان، مثل دعاء دخول المنزل، ودعاء دخول الحمام، ودعاء الخروج من المنزل، وحتى حديث الجماع.. الهدف منها هو الحماية من الشيطان.
* كيف يواجه المريض الشيطان ويصل إلى الشفاء؟
** إذا أصَّلنا المسألة، وأرجعنا المرض إلى الشيطان، فهدف العلاج الأساسي هو رفع إيمانيات الإنسان حتى يستطيع مواجهة الشيطان، والأصل أن الإنسان أقوى المخلوقات لكنه يضعف في أربعة مواضع، هي: الخوف الشديد، والحزن الشديد، والغضب، والغفلة، وفي كل هذه المواضع يضعف الإنسان ونخرج من هذه المواطن الأربعة بالدعاء المناسب، وفي الغرب يعتمدون على المهدئات، وينفقون مليارات على مضادات الاكتئاب، ولكن علاجنا هو الذكر والدعاء، وإستراتيجية العلاج تعتمد على تدريب مَن عندَه مشكلة على تجنب هذه الحالات التي يضعف فيها، ثم سرعة الخروج منها، ولا يتم ذلك إلا بأذكار الصباح والمساء، ومعرفة آفات هذه الحالات، والخروج يتم بأدعية وأذكار تناسب كل حالة على حدة، فالمعروف أنه إذا غضب الإنسان يستطيع الخروج عن غضبه بالذكر.
وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- "أما إني أعلم كلمةً لو قالها ذهب عنه غضبه.. أن يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويتوضأ"، وعلاج الخوف أن يقول مَن يخاف حسبي الله ونعم الوكيل؛ لأن الله عز وجل قال: ﴿الَّذِيْنَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيْمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيْلُ* فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوْءٌ﴾ (البقرة: 173، 174)، وفي حالة الحزن يقول المسلم "اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسالك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدًا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي، فقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم- "من قال هذا إذا أصابه هم أو حزن أذهب الله همه وأبدله به فرحًا"، والغفلة عمومًا علاجها الذكر والاستغفار، وقد قال- صلى الله عليه وسلم-: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همٍّ فرجًا ومن كل ضيقٍ مخرجًا".
* ولكن هل تنفع هذه الطريقة في علاج المس من الجن والشيطان؟
** قضية المس والسحر فيها خلاف، فبعض العلماء يقول إنه لا يوجد "مس"، وهذا الفريق يمثله الدكتور عبد الصبور شاهين والشيخ الغزالي والشيخ عبد الله الخطيب وحتى علماء الأمة القدامى اختلفوا فيها، ومن وجهة نظري الشخصية فإنني أعتقد بوجد المس، وأنا أريد أن أخرج من هذا الخلاف، والعلاج بالقرآن من وجهة نظري هو أن يمارس المريض قراءة القرآن والذكر وليس أنا أو أحد غير المريض بالنيابة عنه، وهذا مفيدٌ في علاج الاكتئاب، وهذه الأنماط من العلاج ممتازة ولا تضيع وقتي ونتائجي 100%.
ولكن الوسائل الشعبية والتي تعتمد على أن يقرأ الآخرون القرآن والأذكار نيابةً عن المريض تكون نسبة نجاحها ضئيلةً، كما أنها مجهِدَةٌ للمعالج، ومضيِّعةٌ للأوقات، وكاشفةٌ للعورات، وتعتمد على قوة المعالج فقط، وتكون الحالة معرضةً للارتجاع.. أما طريقتي فإنها تعمل على زيادة البناء الإيجابي لشخصية المصاب واستغلال الحدث لكي يقبل على تزكية نفسه، والإقبال على الذكر والطاعات وترك المخالفات، ثم ضبط الحالة الإيمانية للبيت كله، والإنسان الذي ينمو إيمانُه بهذه الطريقة ليس من الممكن أن ترجع له الحالة التي كان يعاني منها ويعتمد على نفسه.
مسلمون يذكرون الله
* هل مجرد الذكر فقط يصلح كعلاج للمس الشيطاني؟
** توجد إستراتيجية أخرى للعلاج وهي خطٌّ موازٍ لخط زيادة الإيمان وهو الدعاء، وهو أن يدعوَ المريض لنفسه وأنا أدعو له؛ لقول الحق: ﴿أَمَّنْ يُجِيْبُ المُضطَّرَ إِذَا دَعَاهُ﴾ (النمل: 62)، وأنا أدعو له دعاءَ الأخ لأخيه بظهر الغيب وهو مقبول، كما يقول الرسول- صلى الله عليه وسلم- لكن الدعاء له شروط يوضحها قول الحق- جل وعلا- فالله يبتلي العبد حتى يتذلل في دعائه، وشرط قبول الدعاء هو الدعاء بالتذلل، ثم اليقين بأن الله سيُجيب، والاستمرار، وأن يكون هذا الدعاء يوميًّا حتى يتم الشفاء؛ لأن الله يحب الإلحـاح، وأحب أن يكون هذا الدعاء من خلال صلاة الحاجة، والله يقول: ﴿وَاسْتَعِيْنُوْا بِالصَبْرِ وَالصَّلاَةِ﴾ (البقرة: 45)؛ لذا أجعل المريض يصلي صلاة الحاجة يوميًّا حتى يتم الشفاء.
وكذلك قراءة القرآن تزيد من الإيمان وتُحصِّن المريض ضد الشيطان، واتباع الجنازة تزيد الإيمان، وكذلك كل الطاعات، لكنني ضد فكرة ما يقوله البعض عن شنطة العلاج بالقرآن من خلال شرائط الكاسيت.
* ما العيب في إعطائه العديد من الشرائط ليسمعها؟
** من حيث إنها علاج فهي علاج؛ لأن القرآن فيه شفاءٌ للناس، لكنَّ علاجَ هذه الأمور ليس بسماع القرآن، ولكن بالعمل وأنا لا أحبِّذ هذه الأشياء؛ لأنها أحيانًا تكون وسيلةً للتربح عند البعض، كما أنها تصرف المريض عن الفكرة الأساسية للعلاج وهي تعلُّق القلب بالله- عز وجل- وهذا هو الهدف الأساسي.
* في رأيك ما هو سبب انتشار المشعوِذين من مدَّعي العلاج بالقرآن؟
** سبب الانتشار هو أن الموضوع فيه اجتهادٌ كثيرٌ مع كثرة الجهل والبعد عن الدين وتسلط الشيطان المباشر على الناس.
* هل يمكن تقنين هذه العملية وتحديد مواصفات لمن يعالج بها؟
** لا.. لايمكن تقنين هذه العملية، ولكن يمكن مواجهتها من خلال نشر الفهم السليم؛ لأن أي مصاب يتعلق بقشة، وأهل المريض لا يدركون ذلك إلا بعد أن يفشل الساحر، وبعد أن يكون قد استنزفهم ماديًّا بما يكفي.
* ما سر العَداء بين الأطباء النفسيين وبين العلاج بالقرآن، أو كما تقول العلاج بالإيمان؟
** سر العداء هو دخول المشعوذين والدجالين والجهلاء هذا المجال، فعلى سبيل المثال المذيع في أحد البرامج ناقش هذا الأمر مع الرأي القائل بعدم وجود ما يسمى بالمس أو السحر، واستضاف معالجًا بالقرآن وطبيبًا نفسانيًّا، ولكنه جعل الحوار يسير في اتجاه الرأي الرافض للفكرة، وهذه المعالجة تزيد مِن هوَّة الخلاف بين العلاج الإيماني والطب النفسي مع أنه لا يوجد تناقض بينهما، فيمكن أن يتم العلاج بالعقاقير بجانب العلاج الإيماني؛ لأن سبب المشكلة هي أن الأطباء النفسيين مناهضون لفكرة العلاج الإيماني؛ لكونهم يرونه طريقًا لمنافستهم في حين أنهما يمكن أن يكونا متكاملين.
* هل هناك حالات تم شفاؤها تحت رعايتك وفقًا لطريقتك؟
** صديق شخصي جاء ومعه ابنه الصغير مصاب بالصرع، ويأتي له المرض كل يوم ثلاث مرات، كل مرة ساعتان ونصف، فقلت له هل ذهبت إلى الدكتور فقال نعم وهذه هي رسومات المخ، فقلت له الحمد لله الموضوع أصبح سهلاً، وطبقًا للمحورَين الذكر والدعاء فالطفل لن يستطيع أن يقول الأذكار والدعاء، فالنبي كان يرقي الحسن والحسين بالمعوِّذات فقلت له بأن يرقيَه بالمعوذات كل يوم مرتين بالصباح والمساء مع الدعاء مع صلاة الحاجة بتضرع وثقة ويقين، فسألته هل صليت صلاة الحاجة أن يشفي الله ابنك؟! فقال لا، فقلت له تظل عند الدكتور بالساعات وتدفع رسومات كثيرة للأطباء وتستنكف أن تصلي صلاة الحاجة لخمسة دقائق، وأكدت له أن ابنه لن يشفَى إلا بصلاة الحاجة، واتفقنا أن ينفذ البرنامج مع متابعة مني له تليفونيًّا حتى يشفى الولد، واتصل بي في اليوم الثاني وقال لي بالنص "ابني قد تحسن جدًّا يا دكتور ولم تعاوده النوبات إلا مرةً واحدةً ولمدة ساعة واحدة فقط، وكانت هذه النتيجة بعد ثلاثة أيام اتصل بي وقال جزاكم الله خيرًا ابني قد شُفي تمامًا.