تاريخ الشعوذة والدجل
تفيد الدراسات التي أجراها المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية بأن المصريين ينفقون10 مليارات جنيه سنويا علي الدجالين والمشعوذين الذين يدعون قدرتهم علي علاج الأمراض وحل المشكلات الاجتماعية بالسحر وتسخير الجان, بدلا من اللجوء إلي المتخصصين الذين يصفون لهم العلاج ويقدمون الحلول المؤسسة علي حقائق علمية ومنطقية. وتعليقا علي هذه الدراسات أقول إن جذور السحر والشعوذة تمتد إلي القرن السابع قبل الميلاد حيث كان الإغريق يعتقدون في هذه الوسائل لعلاج الأمراض, وكان أشهرهم هو الإغريقي اسكلايوس الذي كان يعالج مرضاه بلمسة من يده أو عصاه أو بلمسة من لسان حيته, ومن هنا جاء رمز الطب, وهو العصاة الملتفة حولها الحية( ونأمل أن يتغير هذا الرمز بما يواكب التقدم العلمي).
ولقد نجح أبقراط الذي عاش في القرنين الثالث والرابع قبل الميلاد, في نقل وسائل الشفاء من السحر والشعوذة والخرافات إلي الملاحظة والتجربة والدراسة, وأوصي باستخدام الدواء والغذاء والتعرض للشمس والهواء النقي لعلاج الأمراض.
ولقد سيطر اعتقاد مس الشيطان واستخدام السحر علي أفكار الناس في العصر الروماني والعصور الوسطي, فيما يتعلق بتشوهات الأجنة, ومازال هذا الاعتقاد مسيطرا علي عقول بعض الناس حتي عصرنا هذا, ولقد توهم الإغريق أن التشوهات تنتج عن أشعة صادرة من عين الشيطان إلي الجنين, ولقد ظلت التشوهات تعزي إلي السحر ومس الشيطان وافتراضات نظرية أخري غير مؤسسة علي حقائق علمية, حتي بدأ الكشف عن الأسباب الحقيقية لتشوهات الأجنة في النصف الأول من القرن العشرين, ولقد أكدت البحوث أنها ترجع إلي عوامل وراثية وبيئية تشمل الإصابة بالأمراض وتعاطي المخدرات والخمور والتدخين وبعض الأدوية, والتلوث البيئي وغيرها.
ولقد ساعد التقدم العلمي في القرن العشرين علي زيادة التحرر من استخدام السحر وتسخير الجان, ومن الخرافات التي سيطرت علي عقول الناس علي مدي العصور, حيث تم الكشف عن أسباب معظم الأمراض والتمكن من تشخيصها وعلاجها علاجا دقيقا مؤسسا علي المشاهدات والحقائق العلمية, وذلك باستخدام الأدوية والأشعة والليزر والجراحة وغيرها.
ولقد حدث تقدم كبير في علاج الأمراض النفسية والعقلية, حيث أظهرت البحوث العلمية أن المرض النفسي ينتج عن تغيرات كيميائية وكهربائية في المخ والأعصاب, لذلك فإنه أمكن السيطرة علي هذه الأمراض باستخدام الأدوية التي تعيد التوازن الطبيعي لكيمياء المخ والأعصاب, وباستخدام العلاجات النفسية التي تعتمد علي البحوث والدراسات.
وإذا كان البعض مازال يعتقد أن مس الشيطان أو السحر هو السبب في المرض العضوي أو النفسي, فإني أقول لهم إن دواءهم في القرآن الكريم الذي تشهد آياته بأننا حينما نستعين برب العالمين فإن الشيطان لا يمسنا بسوء وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك أن يحضرون(97 و98 المؤمنون), إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفي بربك وكيلا(65 الإسراء).
ولقد جاء في كتاب الطب النبوي أن من أنفع علاجات السحر الأدوية الإلهية من الأذكار والآيات والدعوات, وهناك أحاديث نبوية لإبطال مفعول السحر, كما أن هناك من الأحاديث ما يفيد في تخفيف الآلام.
وإذا استعنا بالأدوية الإلهية فإننا نستطيع أيضا أن نقوي مفعول الأدوية التي يصنعها الإنسان, وفي هذا يقول الشاعر:
ذهبت أنادي طبيب الوري وروحي تنادي طبيب السماء
طبيبين ذاك ليعطي الدواء وذاك ليجعل فيه الشفاء
دكتور/ عز الدين الدنشاري
الأستاذ بكلية الصيدلة ـ جامعة القاهرة