هل توصل العلماء إلى تفسير دقيق للأحلام؟
تحقيق - رياض العسافي - تصوير - بندر بخش
ذكرت الأحلام في القرآن الكريم وتحدث بها وبتأويلها الأنبياء والرسل والملهمون بتأويلها وألفت الكتب والبحوث والدراسات فيها، فما حقيقة الأحلام؟ وما طبيعة التفسير المنطقي والعلمي لها مقارنة برؤية رجال الدين لها ولمدلولاتها؟
وبطبيعة تكويننا ونشأتنا الإسلامية نميل بالفطرة إلى ايجاد تفسيرات تتطابق ووجهة نظر الدين إلى ما نراه في مناماتنا من أحلام ورؤى.
الشيخ فهد بن سعود العصيمي عضو هيئة التدريس في جامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية يقول عن هذا الموضوع:
- إذا اردنا معرفة موقف الإسلام عن قضية من القضايا فاننا نعرض هذه القضية على القرآن والسنة، فهذان المصدران هما المصدران الأساس للتشريع الإسلامي عموماً ولذا فمن خلال تتبع النصوص الواردة في القرآن والسنة نجد ان الإسلام اعطى هذا الموضوع مكانة رفيعة ولذلك قال الله تعالى عن يوسف عليه الصلاة والسلام ممتناً عليه: {وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث}.. الآية، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم ثبت عنه كما جاء في صحيح البخاري من حديث سعيد بن المسيب ان أبا هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لم يبق من النبوة إلا المبشرات، قالوا وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة". ويقول كذلك في حديث آخر في صحيح البخاري عن أبي سلمة قال سمعت أبا قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الرؤيا الصادقة من الله، والحلم من الشيطان".
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يقول لاصحابه: هل رأى أحد منكم من رؤيا؟ وهذا الأمر والطلب منه صلى الله عليه وسلم دليل على الاهتمام بأمر الرؤيا بالسؤال عنها وفضل تعبيرها واستحباب ذلك.
الرؤيا والأحلام
وعن الفرق بين الرؤيا والأحلام قال الشيخ العصيمي: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم كما سبق ان ذكرت: "الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان". ويقول في حديث آخر جاء في صحيح البخاري كذلك عن أبي سلمة ان أبا قتادة وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفرسانه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الرؤيا من الله والحلم من الشيطان فاذا حلم أحدكم الحلم يكرهه فليبصق عن يساره وليستعذ بالله منه فلن يضره".
الفرق إذاً ان الرؤيا رسالة إلهية يأتي بها ملك الرؤيا للإنسان، أما الحلم فهو من الشيطان حقيقة لا مجازاً وهي من محاولاته وعداوته الدائمة للإنسان وهي حرب ضروس لا تهدأ ليلا ولا نهاراً وتستخدم فيها أسلحة فتاكة، ولذا فلا غرابة من ان تجد بعض الناس يخاف ويفزع ويضطرب وقد يتطور هذا الخوف لمرض يختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر وكل على حسب امكاناته ومقاومته وقد وجد من الصحابة من كان يفزع من مثل هذه الأحلام يقول الصحابي أبو سلمة لقد كنت ارى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت أبا قتادة يقول: وأنا كنت ارى الرؤيا تمرضني حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الرؤيا الحسنة من الله فاذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا ما يحب وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان ويتفل ثلاثاً ولا يحدث بها أحداً فانها لن تضره. وجاء في بعض فرق هذا الحديث: "إن كنت لأرى الرؤيا أثقل عليّ من جبل".
وسألناه عن امكانية ان تكون الرؤيا معياراً لقراءة مستقبلية حسب ظرفها وزمانها فأجاب: الرؤى منها ما يكون ذا دلالة على الماضي أو منها ما يكون ذا دلالة على الحاضر ومنها ما يكون ذا دلالة على المستقبل.
ومن خلال تتبع النصوص تجد ان الأغلب في الرؤى ما تكون دلالته مستقبلية وهذا المستقبل قد يكون قريباً جداً لا يتعدى الأيام وقد يكون بعيداً يحتاج لسنة أو سنوات قد تقل وقد تكثر فمن الرؤى ما احتاج إلى عشر سنوات ومنها ما احتاج إلى أربعين سنة ومنها ما احتاج إلى سبعين سنة وهكذا..
وقد اعترف فرويد بأن من الأحلام ما له دلالة على المستقبل لكن يجب ان يكون معلوماً انه لا يعلم الغيب إلا الله ولا يستطيع أي معّبر مهما برع وحذق ان يعرف أو يعلم متى تتحقق الرؤيا، فتعبير الرؤى يقوم على الظن لا القطع ولذلك يوسف عليه الصلاة والسلام قال أثناء تعبيره: {وقال للذي ظن أنه ناج منهما..} ومعلوم أن الظن ليس كاليقين.
تفسير علم النفس
علماء النفس غالباً يميلون إلى تفسيرات تعتمد التجربة العلمية والبحوث المنهجية التي تربط الأشياء بمسبباتها دون افتراض مطلق لذلك كان من الضروري التوجه إلى واحد من علماء هذا العلم الحيوي وهو الدكتور ماهر بغدادي استشاري الطب النفسي للاجابة عن أسئلتنا المتعلقة بالأحلام وتفسيراتها فكان سؤالنا الاول:
* كيف تفسرون الأحلام من الناحية العلمية وهل ترتبط فعلياً بالحالة النفسية للإنسان؟
- حتى نفهم كيف تحدث الأحلام.. لابد ان نفهم اولاً دورة النوم فالنوم يتكون من مرحلتين:
1- مرحلة حركة العين البطيئة (NREM) النوم العميق ويدخلها الإنسان من بداية النوم وتستغرق حوالي 90دقيقة وتنخفض خلالها معظم أنشطة الجسم الفسيولوجية مثل دقات القلب والتنفس وافراز الغدد وارتخاء العضلات.
2- مرحلة حركة العين السريعة (REM) النوم الخفيف وتستغرق حوالي 15دقيقة وخلالها يكون أنشطة الجسم الفسيولوجية مقاربة لنشاطها في حالة اليقظة.
وتتكرر هذه الدورة حتى يستيقظ الإنسان، والدراسات التي تمت في معامل النوم أثبتت ان النائم يحلم طوال وقت النوم.. غير ان الأحلام التي تحدث في مرحلة العين البطيئة لا يتذكرها الإنسان ولا يستطيع ان يستدعيها..
اما الأحلام التي تحدث في مرحلة حركة العين السريعة أي مرحلة النوم غير العميق فإن الإنسان يستطيع ان يتذكرها ويرويها. والأحلام شغلت الإنسان منذ بدأ يدرس الظواهر ويحاول ان يجد لها تفسيراً، وفي الطب النفسي بدأت المحاولات الجادة لفهم الأحلام وعندما لاحظ عالم الطب النفسي (سيجموند فرويد) ان كثيراً من مرضاه يتحدثون عن أحلامهم. وبعضهم كانت أحلامه مكررة وتحتوي على الموضوع نفسه وكان لها ارتباط بما يعانون من اضطرابات نفسية.. ومن هنا بدأ استخدام محتوى الأحلام كأداة من أدوات التحليل النفسي لفهم أعماق النفس البشرية فالجهاز النفسي العقلي للإنسان يتكون من جزءين:
1- الوعي وهو الجزء من الجهاز النفسي العقلي الذي ندرك به كل المحسوسات سواء كانت خارجية أو داخلية لجعلها في دائرة وعينا.
2- اللاوعي: وهو الجزء من الجهاز النفسي والعقلي الذي يتم فيه العمليات النفسية التي لا نستطيع ان ندركها ولا نعي بها ويحتوي على الغرائز البدائية والنوازع الجنسية والرغبات والأمنيات.. كل هذه المحتويات تحاول ان تخرج من طبقة اللاوعي إلى الوعي ولكن الرقابة الذاتية التي تتمثل في الضمير والاخلاقيات والدين والقيم المتعارف عليها تمنع خروجها وتبقيها مكبوتة ولكن هذه الدوافع والغرائز والرغبات تستطيع ان تفلت من الرقابة لتظهر في الأحلام أو تظهر على هيئة أعراض واضطرابات عصابية مثل القلق والمخاوف.
لذا فإن وظيفة الأحلام في التحليل النفسي هو الاستدلال من محتواها عن الرغبات والنوازع المكبوتة والتي لا يستطيع الإنسان ان يذكرها أو يعي بها في حالة اليقظة..
إذن فالأحلام لها معنى محدد حتى وان كان هذا المعنى خفياً أو متنكراً في صورة غير واضحة.
ومحاولة فهم محتوى الحلم والمعاني التي يرمز اليها هو محاولة لفهم الديناميات ولرغبات المكبوتة في منطقة اللاوعي والتي في أحيان كثيرة تكون المسؤولة عن الاضطربات العصابية.
وحول محتوى الأحلام يفصلها د. بغدادي بالآتي:
1- المثيرات الحسية الليلية مثل الآلام والجوع والعطش وامتلاء المثانة كل هذه المثيرات الحسية تأتي في الأحلام بطريقة رمزية تنم عن الاحتياج لها كأن يجد الإنسان نفسه بقرب نبع وهو يشرب في حالة الشعور بالعطش أو كأنه يذهب إلى الحمام للتبول في حالة الشعور بامتلاء المثانة.. أحياناً يتبول الأطفال بالعقل خلال الحلم بأنهم في دورة المياه.
2- الآثار المتبقية من الاحداث اليومية فالاحداث والموضوعات التي يكون الإنسان منشغلا بها أثناء اليوم تأتي في الأحلام سواء بطريقة مباشرة أو بطريقة رمزية.
3- الرغبات والغرائز المكبوتة.
وهي التي تكون مختزنة في منطقة اللاوعي وتجد الطريق للظهور من خلال الأحلام.
وعن عمل الحلم بيّن د. ماهر بغدادي قائلاً: في أغلب الأحيان فإن الرغبات والغرائز المكبوتة لا تظهر في الحلم بطريقة مباشرة.. فإن الرقابة الذاتية رغم اننا نائمان فانها لا تغيب وان كانت ضعيفة.. وحتى تنفذ من تدقيق الرقيب فإن محتوى الحلم تتم معالجته حتى يصبح مقبولا وذلك من خلال العمليات التالية:
1- التكثيف: فكثير من الرغبات والنوازع تظهر في الحلم بطريقة مكثفة وغامضة ومختصرة مثل انسان يشعر بسلطة الأب والقهر والسيطرة فيحلم بأنه يمشي مع والده وهو ممسك بيده وهو يريد ان يهرب منه.
2- الاحلال الرغبات غير المقبولة تجاه موضوع معين تحول إلى موضوع آخر مقبول يوافق عليه الرقيب.
3- الترميز: الرغبات الشبقية والموضوعات التي تحتوي على طاقة عالية أو معاني غير مقبولة في الأحلام في صورة رمزية لها صفة البراءة..