بسم الله الرحمن الرحيم
ملخص درس جوامع الأدعية للرسول صلى الله عليه وسلم
لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة الكرام ... بادئ ذي بدء ، أعلى درجةٍ في العبادة أن تدعو الله عز وجل ، لذلك أتمنى على إخوتنا الأكارم أن يقتنوا كتيِّباً في بيوتهم حول أدعية النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يقرؤوا هذا الكتيِّب كثيراً إلى أن يحفظوه ، فإذا حفظوه كان الدعاء وسيلةً من وسائل اتصالهم بالله في كل أحوالهم.
وحينما تتوجه إلى الله جل جلاله بدعاء رسول الله فأنت على الصراط المستقيم ، لا تبتدع في الأدعية ، ترك لنا النبي صلى الله عليه وسلم جوامع من أدعيته ، وأدعيته فيها جوامع الكَلِم ، والدرس اليوم بعض النماذج من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم .
جاء في الصحيحينِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : ((كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)) .
فما هي حسنة الدنيا ؟ سيدنا علي بن أبي طالب قال : " هي المرأة الصالحة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " الدنيا كلها متاع وخير متاعها المرأة الصالحة التي إذا نظرت إليها سرتك ، وإذا غبت عنها حفظتك ، وإذا أمرتها أطاعتك ، وإذا أقسمت عليها برَّتك "
وهناك ملكٌ جبار سأل وزيره : " من الملك ؟ من شدة خوفه قال الوزير : أنت الملك ، قال له : لا ، الملك رجلٌ لا نعرفه ولا يعرفنا ، له رزقٌ يكفيه ، وزوجةٌ ترضيه ، وبيتٌ يؤويه
سيدنا قتادة يقول : حسنة الدنيا هي العافية والكفاف
الحسن البصري قال : حسنة الدنيا العلم والعبادة
وقال السُدِّي : حسنة الدنيا المال الحلال
سيدنا أبو ذر الغفاري يقول : حبذا المال
أما عند ابن عمر حسنة الدنيا الأولاد الأبرار
وعند أحد العلماء حسنة الدنيا ثناء الخلق
وقال جعفر الصادق : حسنة الدنيا صحبة الصالحين والعلماء
سوف نجمعهم ، حسنة الدنيا ؛ المرأة الصالحة ، والعافية ، والكفاف، والعلم ، والعبادة ، والمال الصالح ، والأولاد الأبرار ، وثناء الخلق ، وصحبة الصالحين .
أما الآخرة ، ما حسنة الآخرة ؟
قالوا : حسنة الآخرة هي الجنة ، وقالوا : هي السلامة من هول الموقف وسوء الحساب ، وقيل : الحور العين.
وفي الصحيحين عَنْ أَنَسٍ ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ ـ ضعيفًا ، هزيلاً ، مريضًا ـ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ قَالَ نَعَمْ كُنْتُ أَقُولُ اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبْحَانَ اللَّهِ لَا تُطِيقُهُ أَوْ لَا تَسْتَطِيعُهُ أَفَلَا قُلْتَ اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ قَالَ فَدَعَا اللَّهَ لَهُ فَشَفَاهُ)) .
من أجمل الأدعية ، كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : ((اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي)) . ( من سنن الترمذي : عن " عائشة " )
وكان يدعو عليه الصلاة والسلام : ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ)). ( من سنن ابن ماجة : عن " أبو هريرة " )
من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم الجامعة : ((اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي)) . ( من صحيح مسلم : عن " أبي هريرة " )
قالوا : إذا أردت أن تحدث ربك فادعه ، وإذا أردت أن يحدِّثك الله فاقرأ القرآن ، تحدثه ويحدثك ، تدعوه وتقرأ كلامه .
من أدعيته الجامعة ما روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ((اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ)) .
أحياناً الموت رحمة، ((إِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ خِيَارَكُمْ وَأَغْنِيَاؤُكُمْ سُمَحَاءَكُمْ وَأُمُورُكُمْ شُورَى بَيْنَكُمْ فَظَهْرُ الأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ بَطْنِهَا وَإِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ شِرَارَكُمْ وَأَغْنِيَاؤُكُمْ بُخَلَاءَكُمْ وَأُمُورُكُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ فَبَطْنُ الأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا)) . ( من سنن الترمذي : عن " أبي هريرة " )
وهذا دعاءٌ رائعٌ ، ومِن أدعية النبي الجامعة : ((رَبِّ أَعِنِّي وَلا تُعِنْ عَلَيَّ وَانْصُرْنِي وَلا تَنْصُرْ عَلَيَّ وَامْكُرْ لِي وَلا تَمْكُرْ عَلَيَّ وَاهْدِنِي وَيَسِّرِ الْهُدَى لِي وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا لَكَ ذَكَّارًا لَكَ رَهَّابًا لَكَ مِطْوَاعًا لَكَ مُخْبِتًا إِلَيْكَ أَوَّاهًا مُنِيبًا رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي وَاغْسِلْ حَوْبَتِي ـ أي خطيئتي ـ وَأَجِبْ دَعْوَتِي وَثَبِّتْ حُجَّتِي وَسَدِّدْ لِسَانِي وَاهْدِ قَلْبِي وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ صَدْرِي )) ، السخيمة الحقد . ( من سنن الترمذي : عن " ابن عباس " )
وهناك دعاء مقتبس من هذا الدعاء : ((اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلا تَنْقُصْنَا وَأَكْرِمْنَا وَلا تُهِنَّا وَأَعْطِنَا وَلا تَحْرِمْنَا وَآثِرْنَا ولا تُؤْثِرْ عَلَيْنَا وَارْضَ عَنَّا وَأَرْضِنَا)) . ( من مسند أحمد : عن " عمر بن الخطاب " )
من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم : ((اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ أَنْ تُضِلَّنِي ، أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ يَمُوتُونَ)) . ( من صحيح مسلم : عن " ابن عباس " )
ومن أدعية النبي صلى الله عليه وسلم : ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ)) . ( من صحيح البخاري : عن " أنس بن مالك " )
ومن أدعية النبي صلى الله عليه وسلم : ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ)) . ( من صحيح مسلم : عن " زيد بن أرقم " )
دخل النبي إلى مسجده ، فرأى رجلاً تحلَّق الناس حوله فقال : ((من هذا ؟ وهو يعلم من هذا ، سؤال العارف المعلم قال : من هذا ؟ قالوا : هذا نسابة ، قال : وما نسَّابة ؟ قال : يعرف أنساب العرب ، فقال عليه الصلاة والسلام : ذلك علمٌ لا ينفع من تعلمه ولا يضر من جهل به)).
من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم : ((اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك ، وتحول عافيتك ، وفجأة نقمتك ، وجميع سخطك)) . (رواه مسلم )
بقي علينا دعاءان قصيران : ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الأَخْلاقِ وَالأَعْمَالِ وَالأَهْوَاءِ)) . ( من سنن الترمذي : عن " زياد بن علاقة " )
((اللهم إني أعوذ بك من يوم السوء ـ يوم مشؤوم ـ ومن ليلة السوء ، ومن ساعة السوء ، ومن صاحب السوء ، ومن جار السوء في دار المقامة)) .
وكان يدعو النبي الكريم يقول : ((تعوذوا بالله من مجاورة جار السوء إن رأى خيرا كتمه وإن رأى شرا أذاعه ، وتعوذوا بالله من زوجة سوء إن دخلت عليها لسنتك ، وإن غبت عنها خانتك ، وتعوذوا بالله من إمام سوء إن أحسنت لم يقبل ، وإن أسأت لم يغفر)) . ( من كنز العمال : عن " أبي هريرة " )
والحمد لله رب العالمين