حكم تعليق التمائم ، وأحكامها الشرعية ؟؟؟
--------------------------------------------------------------------------------
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله وصحبه وسلم ،،،
إن الإسلام حدد طرقاً سوية واضحة المعالم ، بينة الأبعاد ، ظليلة الأشجار ، عذبة الأنهار ، إن تبعها المسلم فانقاد بها ، واستنار بدروبها واستظل بظلها وشرب من ينبوعها - قادته لبر الأمان ورضى الرحمن ، وأدت به تلك المسالك إلى الغاية والهدف المنشود ، ولذا كان لزاما على المسلم الصادق تحري تلك الطرق والدروب للوصول إلى غايته المنشودة ، وبالمقابل فهناك دروب أخرى كثيرة يتصدر كل منها شيطان يدعو لها ويزينها في أعين الناس ، فمن وافقه هلك ، ومن خالفه واتبع طريق الحق نجا وسلك ، وليس للعبد أن يدفع كل ضرر بما شاء ، ولا أن يجلب كل منفعة بما شاء ، بل يحكم كل ذلك ضمن الأطر الشرعية ، ولا بد من توخي التقوى والخوف والوجل من رافع السماء بلا عمد ، ومن أطلق لنفسه العنان في تمرير ما يراه مؤثرا من غير أن يزنه بميزان الشريعة فقد أخطأ خطأ بينا ، وفيما أباحته الشريعة كفاية لدفع كل شرر ، وتحصينا للنفس البشرية من ضرر الشيطان وإيذائه 0
فالمتتبع للنصوص القرآنية والحديثية يقف على دلالة واضحة أكيدة ، تتمثل في أن الله سبحانه وتعالى وحده الذي يكشف الضر ، وهو الذي يلجأ إليه العباد لتحصيل منفعة أو درء مفسدة ، وهو القادر على ذلك بسبب أو بغير سبب ، يقول تعالى في محكم كتابه : ( وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ( سورة الأنعام – الآية 17 ) ، وقال سبحانه : ( وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) ( سورة يونس – الآية 107 ) ، ويقول سبحانه : ( وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ * ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ) ( سورة النحل – الآية 53 ، 54 ) 0
والأسباب إما أن تكون شرعية أو تكون حسية ، فالسبب الشرعي ما جعله الله سببا في الشرع بنص آية أو حديث كمثل الدعاء والرقية الشرعية ، فإنها سبب شرعي لجلب الخير للعبد ، أو لدفع الشر عنه بإذن الله تعالى 0 فالمباشر لهذه الأسباب إنما لجأ إلى الله الذي أمر بها وبين أنها أسباب ، والاعتماد إنما يكون على الله لا عليها ؛ لأنه هو سبحانه الذي جعلها أسبابا وهو القادر على تعطيل تأثيرها فيكون الاعتماد أولا وأخيرا عليه سبحانه 0
وأما السبب الحسي فهو ما كان بينه وبين تأثيره مناسبة واضحة يدركها الناس في الواقع المحسوس أو المعقول ، مثل كون شرب الماء سبب لإزالة العطش ، والتدثر بالألبسة سبب لإزالة البرد ، وكون الأدوية المصنوعة من مواد معينة تؤثر على الجراثيم المسببة للمرض فتقتلها ، فإن هذا من الأسباب الطبيعية 0 ومباشرة الأسباب الطبيعية أمر قد حث عليه الشرع الحنيف ، وبالتالي فمباشرتها لجوء إلى الله الذي جعل في هذه الأسباب خاصية معينة ، وهو القادر على إزالة هذه الخاصية إذا شاء ، كما أزال خاصية الإحراق عن النار التي أججت لإبراهيم عليه السلام 0
وكثير من المسلمين اليوم اتبعوا طرقا شتى ووسائل متعددة لدفع عداوة الشيطان ، دون أن توزن بميزان الشريعة ، فوقعوا في الكفر أو الشرك أو المحظور ، وقد تؤدي بعض تلك الوسائل إلى الغاية التي استخدمت من أجلها ، ولا يكون ذلك إلا بمعاونة الشيطان ومباركته لتلك الأفعال التي خالفت الشريعة وانساقت وراء نزوات وأهواء وشهوات ، فاستحقت غضب الله وعقوبته ، وشاهد ذلك قصة أوردها العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله – كما ثبت في صحيح سنن ابن ماجة حيث قال : ( عن زينب ، قالت : كانت عجوز تدخل علينا ترقي من الحمرة ، وكان لنا سرير طويل القوائم 0 وكان عبد الله ، إذا دخل ، تنحنح وصوت 0 فدخل يوما ، فلما سمعت صوته احتجبت منه 0 فجاء فجلس إلى جانبي 0 فمسني فوجد مس خيط 0 فقال ما هذا ؟ فقلت : رقي لي فيه من الحمرة 0 فجذبه وقطعه ، فرمى به وقال : لقد أصبح آل عبدالله أغنياء عن الشرك 0 سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الرقى والتمائم والتولة شرك ) قلت : فإني خرجت يوما فأبصرني فلان 0 فدمعت عيني التي تليه 0 فإذا رقيتها سكنت دمعتها 0 وإذا تركتها دمعت0 قال: ذاك الشيطان 0 إذا أطعته تركك ، وإذا عصيته طعن باصبعه في عينك 0 ولكن لو فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان خيرا لك وأجدر أن تشفين 0 تنضحين في عينك الماء وتقولين : أذهب البأس0 رب الناس 0 اشف ، أنت الشافي 0 لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لا يغادر سقما ) ( أخرجه الإمام البخاري في صحيحه – كتاب المرضى ( 20 ) - برقم ( 5675 ) ، وكتاب الطب ( 38 ، 40 ) - برقم 5742 ، 5743 ، 5750 ) 0
ومن الأمور التي ابتلي بها كثير في عالمنا الإسلامي اليوم تعليق التمائم عامة ، وبخاصة التمائم الشركية التي لا يفقه معناها كالكتابات والطلاسم والمربعات والحروف المقطعة والرسوم المختلفة أو العقد والخرز والعظم وما شابهه ، والتي يعتبر تعليقها أو الاعتقاد بجلبها منفعة أو دفع ضر شرك بالله عز وجل ، وانحراف في العقيدة وانتكاس للفطرة 0
وتلك التمائم ليس بينها وبين تأثيرها على متعاطيها مناسبة البتة ، فما علاقة الخرزة بدفع الشر وإزالته ، وهي جماد لا تأثير لها ولم يجعلها الله سببا شرعيا لذلك ، ولا يدرك الناس بأنها ليست سببا لدفع الشرور والأخطار ، ومن هنا كان الاعتماد عليها كاعتماد المشركين على الأموات والأصنام التي لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر ، وهم يظنون فيها التوسط عند الله لجلب خير أو دفع ضر ، ويظنون أن لها بركة معينة تنتقل إلى عابديها وتؤثر في أموالهم وأرزاقهم 0
هذا وسوف استعرض تحت هذا العنوان الآتي :
أولا : تعريفات عامة :
* الرقى : قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ : ( هي التي تسمى العزائم ، وخصص منه الدليل ما خلا من الشرك فقد رخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من العين والحمة ) ( فتح المجيد شرح كتاب التوحيد – ص 169 ) 0
* الودعة : شيء أبيض يجلب من البحر يعلق في أعناق الصبيان وغيرهم 0 وفي الحديث ( من علق ودعة فلا ودع الله له ) ( ضعيف الجامع - 5703 ) أي فلا بارك الله ما هو فيه من العافية 0 وإنما نهي عنها لأنهم كانوا يعلقونها مخافة العين ) ( مختار الصحاح مادة " ودع " ، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي – 10 / 320 ، والآداب الشرعية لمحمد بن مفلح – 3 / 76 ) 0
قال القرطبي : ( فالودعة مثل التميمة في المعنى ) ( الجامع لأحكام القرآن – 10 / 320 – الموسوعة الفقهية – 13 / 22 ) 0
* التوله : قال ابن منظور : ( بضم التاء وكسرها ، ضرب من الخرز يوضع فتحبب بها المرأة إلى زوجها ) ( لسان العرب - 11 / 81 ) 0
* التميمة : قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ : ( قال المنذري خرزة كانوا يعلقونها يرون أنها تدفع عنهم الآفات ، وهذا جهل وضلالة ، إذ لا مانع ولا دافع غير الله تعالى ) 0
وقال أيضا : ( قال أبو السعادات : التمائم جمع تميمة ، وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم ، يتقون بها العين في زعمهم ، فأبطلها الإسلام ) ( فتح المجيد شرح كتاب التوحيد – ص 161 ) 0
قال العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله - : ( فائدة : التميمة : خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين في زعمهم فأبطلها الإسلام كما في ( النهاية ) لابن الأثير0 قلت : ولا تزال هذه الضلالة فاشية بين البدو والفلاحين وبعض المدنيين ومثلها الخرزات التي يضعها بعض السائقين أمامهم في السيارة يعلقونها على المرآة ! وبعضهم يعلق نعلا في مقدمة السيارة أو في مؤخرتها ! وغيرهم يعلقون نعل فرس في واجهة الدار أو الدكان ! كل ذلك لدفع العين زعموا ، وغير ذلك مما عم وطم بسبب الجهل بالتوحيد ، وما ينافيه من الشركيات والوثنيات التي ما بعثت الرسل وأنزلت الكتب إلا من أجل إبطالها والقضاء عليها ، فإلى الله المشتكى من جهل المسلمين اليوم ، وبعدهم عن الدين ) ( سلسلة الأحاديث الصحيحة - المجلد الأول - القسم الثاني 890 ) 0
* الرتيمة أو الرتمة : خيط يربط باصبع أو خاتم لتستذكر به الحاجة ، ويقال : أرتمه : إذا شد في اصبعه الرتيمه 0 وقيل : هي خيط كان يربط في العنق أو في اليد في الجاهلية لدفع المضرة عن أنفسهم على زعمهم ) ( مختار الصحاح مادة : " رتم " ، وابن عابدين– 5 / 232 – الموسوعة الفقهية – 13 / 23 )0
ذكر في الموسوعة الفقهية ما نصه : ( فحكم الرتيمة – بمعنى : أنها خيط يربط باصبع أو خاتم لتستذكر به الحاجة – فقد ذكر ابن عابدين أنها لا تكره ، لأنها تفعل لحاجة فليس بعبث ، لما فيه من الغرض الصحيح ، وهو التذكر عند النسيان ، وفي المنح : أنه مكروه ، لأنه محض عبث 0 وعلى هذا الخلاف : الدملج ، وهو ما يصنعه بعض الرجال في العضد 0
وأما حكم الرتيمة – بمعنى أنها خيط كان يربط في العنق أو في اليد في الجاهلية لدفع الضرر بزعمهم – فهو منهي عنه ، لأنه من جنس التمائم المحرمة ، وذكر في حدود الإيمان أنه كفر ) ( الموسوعة الفقهية – 13 / 25 ، 26 – نقلا عن ابن عابدين – 5 / 232 ، فتح القدير – 8 / 459 ) 0
قلت : لا شك أن تعليق الرتيمة في العنق أو اليد بقصد دفع ضرر أو جلب منفعة هو كفر بالله عز وجل ، أما تعليقها لاستذكار الحاجة فأرى أن الأولى ترك ذلك سدا للذريعة التي قد تؤدي للمحذور والله تعالى أعلم 0
* التحويطة : قال ابن منظور : ( والحوط خيط مفتول من لونين أحمر وأسود ، يقال له : البريم تشده المرأة على وسطها ؛ لئلا تصيبها العين 0 وفيه خرزات وهلال من فضة ) ( لسان العرب – مادة ( حوط ) – 7 / 80 ) 0
* الحقاب : قال ابن منظور : ( وهو خيط يشد في حقو الصبي تدفع به العين ) ( لسان العرب – 1 / 325 ) 0
* الوتر : قال ابن الأثير : ( واحد أوتار القوس 0 وكانوا يزعمون أن التقليد بالأوتار يرد العين ويدفع عنهم المكاره ) ( النهاية في غريب الحديث لابت الأثير – 5 / 149 ) 0
* كعب الأرنب : كانوا يعلقونه على أنفسهم ويقولون : إن من فعل ذلك لم تصبه عين ولا سحر 0 ( نهاية الأرب للنويري – 3 / 123 ، وحياة الحيوان الكبرى للدميري – 1 / 34 ) 0
* الخرز : قال الأزهري : ( فالجاهليون كانوا يعلقون على أولادهم الخرز ليقيهم من العين ) ( تهذيب اللغة للأزهري - 4 / 260 ) 0
ولم يقتصر تعليق الخرز على الأولاد بل تعدى إلى الكبار ، وكان لكل خرزة اسمها الخاص ومن ذلك :
- العقرة : قال ابن منظور : ( وهي خرزة تزعم نساء العرب أنها إذا علقت على حقو المرأة لم تحبل إذا وطئت ) ( لسان العرب – مادة ( عقر ) – 4 / 591 ) 0
- الوجيهة : قال ابن منظور : ( وهي خرزة حمراء تعلق للتوقي من الأمراض ) ( لسان العرب – مادة ( وجه ) – 13 / 560 ) 0
- الودع : قال ابن الأثير : ( وهو خرز أبيض ، يجلب من البحر ، فيعلق لدفع الإصابة بالعين ) ( النهاية في غريب الحديث لابن الأثير – 5 / 168 ) 0
- اليشب : قال ابن منظور : ( ويقولون أنه ينفع من الصرع ) ( الطب عند العرب – ص 16 ) 0 حسب زعمهم 0
- الزمرد : ويقولون إنه يحول دون أذى العائن 0 ( الخرافات هل تؤمن بها – ص 54 ) حسب زعمهم 0
* تعليق الحلي على السليم ( اللديغ ) : وكانوا يعلقون الحلي على السليم ويقولون إنه إذا علق عليه أفاق فيلقون عليه الأسورة ويتركونها عليه سبعة أيام ، ويمنع من النوم ، قال الشاعر :
يسهد في وقت العشاء سليمها0000000000لحلي النسـاء في يده قعاقع ( نهاية الأرب للنويري – 3 / 124 ) 0
قلت : ولا شك أن كافة المظاهر آنفة الذكر وانتشارها ورسوخها في اعتقادات العرب في العصر الجاهلي يعتبر نقيضا لعقيدة التوحيد التي جاء الإسلام ليربي الأجيال عليها ويزرع في قلوبهم وعقولهم ووجدانهم الاعتقاد الصحيح وحقيقة التوكل والاعتماد واللجوء الى مالك الأمر والنهي سبحانه وتعالى ، والمثير للدهشة أن كثيرا من المظاهر المذكورة آنفا قد انتشرت وعلى نطاق واسع انتشار النار في الهشيم خاصة في البلاد الإسلامية التي لا تولي الاهتمام المطلوب بالعقيدة النقية من الشوائب والرواسب ، ولا تربي الأجيال على الفطرة السوية ، ولا تعمق المعتقدات النقية الصافية في نفوس أبنائها ، وبالتالي أصبحت النظرة العامة لتلك الأمور واقترافها أو الاعتقاد بها أمرا سهلا لا يمثل أو يشعر فاعله بأدنى خطر أو مسؤولية ، علما بأن الاعتقاد بتلك الأمور على النحو الوارد تفصيله أعلاه يوقع صاحبه بالكفر والشرك والعياذ بالله ، فالى الله المشتكى ولا حول ولا قوة إلا بالله 0
ثانيا : التمائم الشركية :
* الأحاديث الدالة على حرمة تعليقها :
1- عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الرقى ، والتمائم والتولة شرك ) ( صحيح الجامع 1632 ) 0
وقصة الحديث آنف الذكر كما ثبت في صحيح سنن ابن ماجة للعلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله - : ( عن زينب ، قالت : كانت عجوز تدخل علينا ترقي من الحمرة ، وكان لنا سرير طويل القوائم 0 وكان عبد الله ، إذا دخل ، تنحنح وصوت 0 فدخل يوما ، فلما سمعت صوته احتجبت منه 0 فجاء فجلس إلى جانبي 0 فمسني فوجد مس خيط 0 فقال ما هذا ؟ فقلت : رقي لي فيه من الحمرة 0 فجذبه وقطعه ، فرمى به وقال : لقد أصبح آل عبدالله أغنياء عن الشرك 0 سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : ( إن الرقى والتمائم والتولة شرك ) قلت : فإني خرجت يوما فأبصرني فلان 0 فدمعت عيني التي تليه 0 فإذا رقيتها سكنت دمعتها 0 وإذا تركتها دمعت 0 قال : ذاك الشيطان 0 إذا أطعته تركك ، وإذا عصيته طعن باصبعه في عينك 0 ولكن لو فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان خيرا لك وأجدر أن تشفين 0 تنضحين في عينك الماء وتقولين : ( أذهب البأس0رب الناس0اشف ، أنت الشافي0 لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لا يغادر سقما ) " أخرجه الإمام البخاري في صحيحه - كتاب المرضى ( 20 ) – برقم ( 5675 ) ، وكتاب الطب ( 38 ، 40 ) - برقم ( 5742 ، 5743 ، 5750 ) " ) ( صحيح سنن ابن ماجة - 2 / 269 ) 0
قال المناوي : ( إن الرقى أي التي لا يفهم معناها إلا التعوذ بالقرآن ونحوه فإنه محمود ممدوح " والتمائم " جمع تميمة وأصلها خرزات تعلقها العرب على رأس الولد لدفع العين توسعوا فيها فسموا بها كل عوذة " والتولة " بكسر التاء وفتح الواو كعنبة ما يحبب المرأة إلى الرجل من السحر " شرك " أي من الشرك سماها شركا لأن المتعارف منها في عهده ما كان معهودا في الجاهلية وكان مشتملا على ما يتضمن الشرك أو لأن اتخاذها يدل على اعتقاد تأثيرها ويفضي إلى الشرك ذكره القاضي ) ( فيض القدير – 2 / 342 ) 0
يقول فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين – حفظه الله – في هذا الحديث : ( التمائم شيء يعلق على الأولاد والدواب والبيوت كحروز وأوتار وأوراق وكتابات يتقون بها العين ، وأجاز بعض السلف تعليق الآيات القرآنية والأدعية النبوية ، والأصح المنع لعموم أدلة النهي ، والرقى هي القراءة بالنفث مع قليل من الريق ، فإن كانت الرقية بالقرآن والأدعية المأثورة جاز ذلك من الإصابة بالعين وسم الأفاعي ومن الجن والسحر ونحوه ، فإن كانت بكلام أعجمي أو حروف مقطعة أو أسماء مجهولة فلا تجوز الرقية به ، لأنه من وسائل الشرك ، كما في هذا الحديث ، وأما التولة فهي نوع من عمل السحرة يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والرجل إلى امرأته أو يبغض أحدهما إلى الآخر ، وهو داخل في الصرف والعطف ، فهو من الشرك الذي يعتمد على استمداد السحرة بالشياطين ، والله أعلم ) ( فتح الحق المبين في أحكام رقى الصرع والسحر والعين ) 0
2- وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من علق تميمة فقد أشرك ) ( صحيح الجامع 6394 ) 0
قال المناوي : ( " من علق " على نفسه أو غيره من طفل أو دابة " تميمة " هي ما علق من القلائد لرفع العين " فقد أشرك " أي فعل فعل أهل الشرك وهم يريدون به دفع المقادير المكتوبة قال ابن عبد البر إذا اعتقد الذي قلدها أنها ترد العين فقد ظن أنها ترد القدر واعتقاد ذلك شرك ) ( فيض القدير - 6 / 180 ، 181 ) 0
قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ :" من تعلق تميمة " أي علقها متعلقا بها قلبه في طلب خير أو دفع شر ) ( فتح المجيد شرح كتاب التوحيد – ص 161 ) 0
وقال – رحمه الله – عن قوله : " فقد أشرك " : ( قال أبو السعادات : إنما جعلها شركاً ، لأنهم أرادوا دفع المقادير المكتوبة عليهم ، وطلبوا دفع الأذى من غير الله الذي هو دافعه ) ( فتح المجيد شرح كتاب التوحيد – ص 129 ) 0
3- وعن عيسى – وهو ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى – قال : دخلت على عبدالله بن عكيم أبي معبد الجهني أعوده ، وبه حمرة فقلت : ألا تعلق شيئا ؟ قال : الموت أقرب من ذلك ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من تعلق شيئا وكل إليه ) ( صحيح الترمذي 1691 ) 0
قال المباركفوري : ( " أبي معبد الجهني " الكوفي مخضرم من الثانية ، وقد سمع كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى جهينة ، مات في إمرة الحجاج ، كذا في التقريب " وبه " أي بعبد الله والباء للإلصاق " حمرة " أي مما يعلو الوجه والجسد ، قاله القاري 0 وقال في القاموس : الحمرة ورم من جنس الطواعين " ألا تعلق شيئا " بحذف إحدى التاءين أي ألا تتعلق شيئا ، قال في القاموس : علقه تعليقا جعله معلقا لتعلقه انتهى 0 وفي المشكاة : ألا تعلق تميمة " قال الموت أقرب من ذلك " 0 وفي المشكاة فقال : نعوذ بالله من ذلك 0 قال القاري : وسببه أنه نوع من الشرك 0 وقال الطيبي : ولعله إنما عاذ بالله من تعليق العوذة لأنه كان من المتوكلين وإن جاز لغيره انتهى " من تعلق شيئا " أي من علق نفسه شيئا من التعاويذ والتمائم وأشباهها معتقدا أنها تجلب إليه نفعا أو تدفع عنه ضرا ، قاله في النهاية " وكل إليه " أي خلي إلى ذلك الشيء وترك بينه وبينه 0 والحديث استدل به من قال بكراهية تعليق التمائم ) ( تحفة الأحوذي - 6 / 199 ، 200 ) 0
4- وعن عقبة بن عامر الجهني - رضي الله عنه - قال : ( أقبل رهط إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايع تسعة ، وأمسك عن واحد ، فقالوا : يا رسول الله بايعت تسعة وتركت هذا ؟ قال : إن عليه تميمة ، فأدخل يده فقطعها ، فبايعه وقال : " فذكره " ) ( السلسلة الصحيحة 492 ) 0
5- عن رويفع بن ثابت - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا رويفع ! لعل الحياة ستطول بك بعدي ، فأخبر الناس أنه من عقد لحيته ، أو تقلد وترا ، أو استنجى برجيع دابة ، أو عظم ، فإن محمدا منه بريء ) ( صحيح الجامع 7910 ) 0
قال شمس الحق العظيم أبادي : ( " من عقد لحيته " أي عالجها حتى تنعقد وتتجعد ، وقيل : كانوا يعقدونها في الحرب ، فأمرهم بإرسالها ، كانوا يفعلون ذلك تكبرا وعجبا 0 قاله ابن الأثير " أو تقلد وترا " بفتح الواو 0 قال أبو عبيدة : الأشبه أنه نهى عن تقليد الخيل أوتار القسي ، نهوا عن ذلك إما لاعتقادهم أن تقليدها بذلك يدفع عنها العين أو مخافة اختناقها به ، لا سيما عند شدة الركض، بدليل ما روي أنه صلى الله عليه وسلم أمر بقطع الأوتار عن أعناق الخيل 0 كذا في كشف المناهج " برجيع دابة " هو الروث والعذرة " أو عظم " عطف على رجيع ) ( عون المعبود في شرح سنن أبي داوود – 1 / 39 ) 0
6- عن أبي بشير الأنصاري – رضي الله عنه - : ( أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ، فأرسل رسولا أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر ، أو قلادة إلا قطعت ) ( متفق عليه ) 0
قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ : ( فقد كان أهل الجاهلية يعلقون أوتاراً على الدواب اعتقاداً منهم أنها تدفع العين عن الدابة ) ( فتح المجيد شرح كتاب التوحيد - ص 133 ) 0
قال النووي : ( قوله صلى الله عليه وسلم " لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر ، أو قلادة إلا قطعت " قال مالك : أرى ذلك من العين ، هكذا هو في جميع النسخ : وقول مالك أرى ذلك من العين ، أي أظن أن النهي مختص بمن فعل ذلك بسبب رفع ضرر العين 0 وأما من فعله لغير ذلك من زينة أو غيرها فلا بأس ) ( صحيح مسلم بشرح النووي – 13 ، 14 ، 15 / 279 ) 0
قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ : ( قال البغوي في " شرح السنة " تأول مالك أمره - عليه الصلاة والسلام - بقطع القلائد على أنه من أجل العين 0 وذلك أنهم كانوا يشدون تلك الأوتار والتمائم والقلائد ويعلقون عليها العوذ ، يظنون أنها تعصمهم من الآفات 0 فنهاهم النبي e وأعلمهم أنها لا ترد من أمر الله شيئا ) ( فتح المجيد شرح كتاب التوحيد – 166 ) 0
وقال – رحمه الله - : ( قال أبو عبيد : كانوا يقيدون الإبل والأوتار لئلا تصيبها العين فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بإزالتها إعلاماً لهم بأن الأوتار لا ترد شيئاً 0 وكذا قال ابن الجوزي وغيره ) ( فتح المجيد شرح كتاب التوحيد – 134 ) 0
7- عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( نهى عن الرقى ، والتمائم ، والتوله ) ( صحيح الجامع 6880 ) 0
قال المناوي : ( " نهى عن الرقى " جميع رقية بالضم يقال رقاه أي عوذه والنهي عن الرقية بغير القرآن وأسماء الله وصفاته " والتمائم " جمع تميمة وهي خرزات تعلقها العرب على الطفل لدفع العين ثم اتسع فيها فسموا بها كل عوذة " والتوله " بكسر ففتح ما يحبب المرأة للرجل من سحر وغيره كذا جزم ابن الأثير ، فالرقية بالقرآن أو بالأسماء أو بالصفات فجائز كما مر 0 قال ابن التين : الرقى بذلك هو الطب الروحاني ، إذا كان على لسان الأبرار حصل الشفاء بإذن الله تعالى ، فلما عز هذا النوع فزع الناس إلى الطب الجسماني 0 وتلك الرقى المنهي عنها التي يستعملها المعزم ممن يزعم تسخير الجن ؛ تأتي مركبة من حق وباطل يجمع إلى ذكر أسماء الله وصفاته ما يشوبه من ذكر الشياطين والاستعانة بهم والتعوذ من مردتهم ، فلذلك نهى عن الرقى بما جهل معناه ليكون بريئا من شوب الشرك ) ( فيض القدير - 6 / 314 ) 0
* أقوال أهل العلم في تعليق التمائم الشركية :
قال شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله - : ( وأما الاستعانة عليهم بما يقال ويكتب مما لا يعرف معناه فلا يشرع ، لا سيما إن كان فيه شرك ، فإن ذلك محرم 0 وعامة ما يقوله أهل العزائم فيه شرك ، وقد يقرءون مع ذلك شيئا من القرآن ويظهرونه ، ويكتمون ما يقولونه من الشرك ، وفي الاستشفاء بما شرعه الله ورسوله ما يغني عن الشرك وأهله ) ( مجموع الفتاوى – 19 / 61 ) 0
قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - : ( الرقى هي التي تسمى العزائم وخص منه الدليل ما خلا من الشرك ، فقد رخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من العين والحمة ، والتمائم شيء يلقونه على الأولاد عن العين ، والتولة شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والرجل إلى امرأته ) ( فتح المجيد شرح كتاب التوحيد – 133 ) 0
قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ : ( وروى وكيع عن حذيفة أنه دخل على مريض يعوده فلمس عضده ، فإذا فيه خيط ، فقال : ما هذا ؟ قال : شيء رقي لي فيه ، فقطعه ، وقال : لو مت وهو عليك ما صليت عليك ) ( فتح المجيد شرح كتاب التوحيد – 162 ) 0
وقال أيضا : ( وقال الإمام أحمد : حدثنا هشام بن القاسم ، حدثنا أبو سعيد المؤدب ، حدثنا من سمع عطاء الخراساني ، قال : " لقيت وهب بن منبه وهو يطوف بالبيت ، فقلت : حدثني حديثا أحفظه عنك في مقامي هذا وأوجز 0 قال : نعم ، أوحى الله تبارك وتعالى إلى داوود : يا داوود ، أما وعزتي وعظمتي ، لا يعتصم بي عبد من عبادي دون خلقي ، أعرف ذلك من نيته ، فتكيده السماوات السبع ومن فيهن ، والأرضون السبع ومن فيهن : إلا جعلت له من بينهن مخرجا 0 أما وعزتي وعظمتي لا يعتصم عبد من عبادي بمخلوق دوني ، أعرف ذلك من نيته : إلا قطعت أسباب السماء من يده ، وأسخت الأرض من تحت قدميه ، ثم لا أبالي بأي أوديتها هلك ) ( فتح المجيد شرح كتاب التوحيد – 172 ، 173 ) 0
سئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين السؤال التالي :
ما هو الحكم الشرعي في تعليق التمائم التي لا يفقه معناها ؟
فأجاب – حفظه الله - : ( لا يجوز تعليق التمائم لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من تعلق تميمة فلا أتم الله له 000 ) ( السلسلة الضعيفة 1266 ) وفي رواية : ( من علق تميمة فقد أشرك ) ( صحيح الجامع 6394 ) وفي حديث آخر ( من علق شيئا وكل إليه ) ( صحيح سنن الترمذي 1691 ) ، وقد اختلف في حكم تعليق الآيات القرآنية فرخص فيه بعض السلف وبعضهم منعه كابن مسعود وهو الراجح ، لأنه قد يتعلق قلبه بها وقد يمتهنها بدخول المراحيض بها ، وقد يجره إلى غير القرآن ، فأما ما لا يفقه معناه فلا يجوز أصلا ، فإنه قد يكون فيه شرك أو كلام ممنوع والله أعلم ) ( فتح الحق المبين في أحكام رقى الصرع والسحر والعين ) 0
قال صاحبا الكتاب المنظوم فتح الحق المبين : ( التمائم التي تعلق على الأشخاص من غير القرآن كالخرز والخيوط وما كتب بالطلاسم وأسماء الجن ، فهذا حرام قطعا وهو من الشرك لأنه تعلق على غير الله سبحانه 0
وبعض الناس يعلق هذه الأشياء على نفسه أو سيارته أو باب بيته أو أولاده زعما منه أنها تدفع العين والحسد وهذا كله لا يجوز ) ( فتح الحق المبين في علاج الصرع والسحر والعين – ص 109 ) 0
قال الشيخ عبد الحليم محمود : ( أما تعليق أي أشياء يبغضها الدين فإن ذلك هو ما يسمى في الإسلام بالتمائم ، وقد كان العرب يعلقون أشياء من هذا القبيل ، يمنعون بها – فيما يزعمون – الحسد والشر ، فنهى الإسلام عنها 00 يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد بن حنبل : ( من علق تميمة فلا أتم الله له ومن علق ودعة فلا أودع الله له ) ( السلسلة الضعيفة 1266 ) 0
وعن ابن مسعود – رضي الله عنهما – أنه دخل على امرأته ، وفي عنقها شيء معقود فجهز به فقطعه ثم قال : لقد أصبح آل عبدالله أغنياء أن يشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً ، ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الرقى والتمائم والتولة شرك ) ( صحيح الجامع 1632 ) قالوا : يا أبا عبدالله هذه التمائم والرقى عرفناها فما التولة ؟ قال : شيء يضعه النساء يتحببن إلى أزواجهن 0 ومن ذلك نعلم أنه لا يجوز للمسلم أن يعلق في عنقه أو في عنق أطفاله أشياء يبغضها الدين ) ( فتاوى الشيخ عبدالحليم محمود - 2 / 208 ) 0
قلت تعقيباً على الكلام السابق : إن تعليق الأشياء على اختلاف أنواعها مع توفر نية الاعتقاد بأنها تجلب منفعة أو تدفع مضرة يؤدي إلى الشرك فليحترز ) 0
* بعض مظاهر تعليق واستخدامات التمائم الشركية :
وهناك بعض التمائم التي تعلق مثل الرصاص والعظم والنحاس ، فهذه جميعا ينطبق عليها حكم الوصف الخاص بالتمائم المشار إليها في الأحاديث آنفة الذكر ، وتعليقها يفضي الى الشرك بالله عز وجل إن تم الاعتقاد بها للحفظ أو الرزق ونحوه ، وينطبق الحكم السابق عليها حتى لو لم يكتب عليها شيء من الطلاسم وغيره ، ومن أنواعها بعض الخواتم والأساور والسلاسل التي تلبس اعتقادا للحفظ أو الرزق أو دفع ضرر أو تحصيل منفعة 0
ثالثا : التمائم من الكتاب والأدعية المأثورة :
إن النصوص القرآنية والحديثية جاءت متضمنة على كافة الأحكام المتعلقة بالعبادات والمعاملات وكل ما ينفع البشرية ويؤمن لها السعادة الأبدية ، وفي هذين الأصلين العظيمين ما يتلائم وطبيعة الإنسان ، ويتماشى مع غرائزه وشهواته ، فوضع الأمور المتعلقة بالإنسان وحياته وعلاقته بخالقه وبالآخرين في موضعها الصحيح الذي يجب أن تكون عليه ، فالموفق من عمل بهما وبمقتضاهما فكان من الفائزين والناجين ، ومن لم يوفق لذلك كان من الخاسرين الهالكين 0
وتلك النصوص قد وضحت العلاقة بين الخالق والمخلوق ، وبين المخلوق والمخلوق ، وبين المخلوق والعالم الغيبي ، وهذه الدلالة والمعرفة توفر للإنسان نظرة ملائمة عن الكون وأحواله ، فيعيش مطمئن البال ، قرير العين ، لمعرفته بالنظام الكامل والشامل للحياة ومتطلباتها ، وهذا ما يميز المسلم عن الكافر الذي يعيش حياته بأبعاد ورؤية محدودة ، وتراه يعيش في خوف من المجهول ، واضطراب في الفكر والسلوك والتصرف ، وتخبط في معترك الحياة ، دون إدراك حقيقتها وكنهها ، وهذا يقود تلقائيا للانحراف الأخلاقي والفساد الاداري ، ويؤدي لكثير من المظاهر الهدامة كالانتحار ، والشذوذ الجنسي ونحوه ، وهذا مما يقيض تلك المجتمعات ويدمرها عاجلا أو آجلا 0
إن القرآن الكريم والسنة المطهرة نزلا برسالة سامية للبشرية ، تحمل في عنوانها الرئيسي الاعتقاد الصحيح والعمل بمقتضى التنزيل ، وكثير من الناس اليوم خالفوا اتباع هاذين الأصلين العظيمين واعتقدوا ببعض التصورات المنحرفة عن كتاب الله ، وهي تخالف في أساسها ومجملها الهدف والغاية الذي أنزل من أجله القرآن الكريم ، فنرى البعض يستخدمه عند رأس المريض والآخر تحت وسادته ، ومنهم من يعلقه في البيوت والمنازل ، ومنهم من يكتب بعض الآيات ويعلقها للحفظ والصون ، ونحو ذلك من اعتقادات خاطئة منحرفة ، ومما يثير الدهشة والاستغراب أن بعض من يفعل ذلك ، قد لا يأتي بالفرائض ناهيك عن السنن والنوافل ، ويعيش حياته في معصية الله بعيدا عن طاعته ، فهل يعقل في تلك الأحوال أن يكون استخدام القرآن على هذا النحو وبهذه الكيفية حفظ وصون وشفاء 0
وتعليق التمائم التي تحتوي على آيات من كتاب الله وأدعية نبوية مأثورة مسألة اختلف فيها السلف على قولين : فمنهم من أجازه ، ومنهم من حرمه ، وجمهور العلماء يرى المنع ، وقد روي عن ابن مسعود وابن عباس وعقبة والإمام أحمد في رواية عنه اختارها الأكثر ، ولعموم قول الرسول : ( من تعلق شيئا وكل إليه ) ( صحيح سنن الترمذي 1691 ) الذي ذكر آنفا ، وتخصيصه بتمائم غير القرآن تخصيص من غير مخصص ، والنهي عام ، وفي المنع من تعليقها سد للذريعة الموصلة إلى الشرك ، إذ أن تعليقها يفضي إلى تعليق غيرها 0
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرقي ويرقى ، ولو كان تعليق التمائم جائزا لأمر
به ، وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما يدل على إجازة تعليق شيء من القرآن ، وحمل بعض العلماء فعل عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أنه تعليق لألواح القرآن ليحفظه الصبيان لا على أنه تميمة 0
إن من أجاز فعل ذلك من السلف قد عاش في عصر كانوا يدركون فيه واقع المسلمين وحالهم وتمسكهم بعقيدتهم ، دون الاعتقاد الخاطئ عند كثير منهم في استخدام هذه التمائم والتعلق بها ، علما بأن منهم من كان يدرك خطر ذلك حتى في ذلك العصر الذي كان الإسلام فيه بأوج قوته ، وأخذوا بالقاعدة الفقهية ( درء المفسدة مقدم على جلب المصلحه ) فكيف بحالنا اليوم ، وقد انتشر في هذا العصر الجهل والضياع والاعتقاد الفاسد والبدع والزيغ والضلال ، وبخاصة أن كثيرا ممن يستخدمون هذا النوع يعتقد أنه النافع الدافع للضر ، ويتشبث به ؛ وحال فقده أو ضياعه ؛ فكأنما فقد نفسه وكل ما يملك معه 0
* أقوال أهل العلم في تعليق التمائم من الكتاب والأدعية النبوية المأثورة :
* قال محمد بن مفلح -رحمه الله- : ( وكان عبدالله بن عمرو يعلم من بلغ من ولده أن يقول قبل النوم : ( بسم الله أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده ، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون ) ومن كان منهم صغيرا لا يعقل أن يحفظها كتبها له ، فعلقها في عنقه ) " صحيح الجامع 701 " ) ( مصائب الإنسان – ص 23 ) 0
* قال المباركفوري : ( قال السيد العلامة الشيخ أبو الطيب صديق بن حسن القنوجي في كتابه الدين الخالص : اختلف العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم في جواز تعليق التمائم التي من القرآن ، وأسماء الله تعالى وصفاته ، فقالت طائفة : يجوز ذلك ، وهو قول ابن عمرو بن العاص ، وهو ظاهر ما روي عن عائشة ، وبه قال أبو جعفر الباقر وأحمد في رواية ، وحملوا الحديث ( يعني حديث ابن مسعود قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الرقى والتمائم والتولة شرك ) ( صحيح الجامع 1632 ) على التمائم التي فيها شرك 0 وقالت طائفة : لا يجوز ذلك وبه قال ابن مسعود وابن عباس وهو ظاهر قول حذيفة وعقبة بن عامر وابن عكيم ، وبه قال جماعة من التابعين منهم أصحاب ابن مسعود وأحمد في رواية اختارها كثير من أصحابه 0 وجزم به المتأخرون واحتجوا بهذا الحديث وما في معناه 0قال بعض العلماء : وهذا هو الصحيح لوجوه ثلاثة تظهر للمتأمل 0 الأول عموم النهي ولا مخصص للعموم0الثاني : سد الذريعة فإنه يفضي إلى تعليق ما ليس كذلك 0 الثالث أنه إذا علق فلا بد أن يمتهنه المعلق بحمله معه في حال قضاء الحاجة والاستنجاء ونحو ذلك 0 قال : وتأمل هذه الأحاديث وما كان عليه السلف يتبين لك بذلك غربة الإسلام ، خصوصا إن عرفت عظيم ما وقع فيه الكثير بعد القرون المفضلة من تعظيم القبور واتخاذها مساجد ، والإقبال إليها بالقلب والوجه ، وصرف الدعوات والرغبات والرهبات وأنواع العبادات التي هي حق الله تعالى إليها من دونه ، كما قال تعالى : ( ولا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَالا يَنْفَعُكَ ولا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنْ الظَّالِمِينَ * وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) ( سورة يونس – الآية 106 ، 107 ) ونظائرها في القرآن أكثر من أن تحصر 0 انتهى 0
قلت : - والكلام للمباركفوري - غربة الإسلام شيء وحكم المسألة شيء آخر ، والوجه الثالث المتقدم لمنع التعليق ضعيف جدا لأنه لا مانع من نزع التمائم عند قضاء الحاجة ونحوها لساعة ثم يعلقها 0 والراجح في الباب أن ترك التعليق أفضل في كل حال بالنسبة إلى التعليق الذي جوزه بعض أهل العلم بناء على أن يكون بما ثبت لا بما لم يثبت لأن التقوى لها مراتب وكذا الإخلاص ، وفوق كل رتبة في الدين رتبة أخرى والمحصلون لها أقل ، ولهذا ورد في الحديث حق السبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ؛ أنهم هم الذين لا يرقون ولا يسترقون مع أن الرقى جائزة ووردت بها الأخبار والآثار والله أعلم بالصواب 0 والمتقي من يترك ما ليس به بأس خوفا مما فيه بأس 0 انتهى كلامه بلفظه ) ( تحفة الأحوذي – 6 / 200 ، 201 ) 0
* قال الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي :
وفي التمائم المعلقـــات000000000000إن تك آيات بينــــات
فالاختلاف واقع بين السلف000000000000فبعضهم أجازها والبعض كف
وقد شرح تلك الأبيات – رحمه الله - قائلا : ( وفي " التمائم المعلقات " أي التي تعلق على الصبيان والدواب ونحوها إن تك هي أي التمائم " آيات " قرآنية " مبينات " وكذلك إن كانت من السنن الصحيحة الواضحات " فالاختلاف " في جوازها واقع بين السلف من الصحابة والتابعين فمن بعدهم " فبعضهم " أي بعض السلف أجازها يروى ذلك عن عائشة – رضي الله عنها - وأبي جعفر محمد بن علي وغيرهما من السلف ، والبعض منهم كف أي منع ذلك وكرهه ولم يره جائزا ، منهم عبدالله بن عكيم وعبدالله بن عمر وعقبة بن عامر وعبدالله بن مسعود وأصحابه كالأسود وعلقمة ومن بعدهم كإبراهيم النخعي وغيرهم رحمهم الله تعالى ، ولا شك أن منع ذلك أسد لذريعة الاعتقاد المحظور ، لا سيما في زماننا هذا فإنه إذا كرهه أكثر الصحابة والتابعين في تلك العصور الشريفة المقدسة - والإيمان في قلوبهم أكبر من الجبال – فلأن يكره في وقتنا هذا – وقت الفتن والمحن – أولى وأجدر بذلك ، كيف وهم قد توصلوا بهذه الرخص إلى محض المحرمات وجعلوها حيلة ووسيلة إليها ، فمن ذلك أنهم يكتبون في التعاويذ آية أو سورة أو بسملة أو نحو ذلك ثم يضعون تحتها من الطلاسم الشيطانية ما لا يعرفه إلا من اطلع على كتبهم ، ومنها أنهم يصرفون قلوب العامة عن التوكل على الله – عز وجل – إلى أن تتعلق قلوبهم بما كتبوه ، بل أكثرهم يرجفون بهم ولم يكن قد أصابهم شيء ) ( معارج القبول – 2 / 510 ) 0
وقال – رحمه الله - : ( يروى جواز ذلك عن بعض السلف ، وأكثرهم على منعه كعبد الله بن عكيم ، وعبدالله بن عمرو ، وعبدالله بن مسعود ، وأصحابه – رضي الله عنهم – وهو الأولى لعموم النهي عن التعليق ، ولعدم شيء من المرفوع يخصص ذلك ، ولصون القرآن عن إهانته ، إذ يحملونه غالباً على غير طهارة ، ولئلا يتوصل بذلك إلى تعليق غيره ، ولسد الذريعة عن اعتقاد المحظور ، والتفات القلوب إلى غير الله عز وجل لا سيما في هذا الزمان ) ( كتاب 200 سؤال وجواب في العقيدة الإسلامية – ص 79 ) 0
* قال الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ - رحمه الله - : ( قلت هذا هو الصحيح - عدم تعليقها مطلقا - لوجوه ثلاثة تظهر للمتأمل :
الأول : عموم الأدلة ولا مخصص لها 0
الثاني : سد الذريعة فإنه يفضي إلى تعليق ما ليس كذلك 0
الثالث : أنه إذا علق فلا بد أن يمتهنه المعلق بحمله معه في حالة قضاء الحاجة والاستنجاء ونحو ذلك ) ( فتح المجيد شرح كتاب التوحيد - ص 170 ) 0
* قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله - : ( أما التمائم فلم يرد في شيء من الأحاديث استثناء شيء منها فوجب تحريم الجميع عملا بالاداة العامة والحجة الثانية : سد ذرائع الشرك ، وهذا أصل عظيم في الشريعة ، ومعلوم أنا إذا جوزنا التمائم من الآيات القرآنية والأحاديث المباحة انفتح باب الشرك واشتبهت التميمة الجائزة بالممنوعة 0 وتعذر التمييز بينهما إلا بمشقة عظيمة ، فوجب سد الباب ، وقفل هذا الطريق المفضي إلى الشرك 0 وهذا القول هو الصواب لظهور دليله 0 والله الموفق ) ( فتاوى المرأة المسلمة – 1 / 163 ) 0
* قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين : ( وأما إذا كانت التمائم من القرآن أو من أدعية مباحة ، فقد اختلف العلماء في تعليقها ، سواء علقها في الرقبة أو على العضد أو على الفخذ أو جعلها تحت وسادته أو ما أشبه ذلك ، والراجح من أقوال أهل العلم عندي أنها لا تجوز لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس من حقنا أن نثبت سببا لم ترد به الشريعة ، فإن إثبات الأسباب التي لم ترد بها الشريعة كإثبات الأحكام التي لم ترد بها الشريعة ، بل إن إثبات السبب هو في الحقيقة حكم بأن هذا السبب نافع ، فلا بد من أن يثبت ذلك عن صاحب الشرع وإلا كان لغوا وعبثا لا يليق بالزمن ) ( فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين – ص 381 ) 0
* سئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن جواز تعليق التمائم لعلاج الاضطرابات النفسية ؟؟؟
فأجاب - حفظه الله - : ( لا يجوز تعليق التمائم ، وتجوز الرقية بالقرآن والأدعية والأوراد المأثورة وكثرة الذكر والأعمال الصالحة والاستعاذة من الشيطان والبعد عن المعاصي وأهلها ، فكل ذلك يجلب الراحة والطمأنينة والحياة السعيدة ) ( الأحكام والفتاوى الشرعية لكثير من المسائل الطبية - ص 65 - 66 ) 0
* قال فضيلة الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله - : ( وقد يكون المعلق من القرآن ، فإذا كان من القرآن فقد اختلف العلماء في جوازه وعدم جوازه 0 والراجح عدم جوازه سدا للذريعة فإنه يفضي إلى تعليق غير القرآن ، ولأنه لا مخصص للنصوص المانعة من تعليق التمائم كحديث ابن مسعود – رضي الله عنه – قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الرقى والتمائم والتولة شرك ) ( صحيح الجامع 1632 ) رواه أحمد وأبو داوود وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - مرفوعا ( من علق تميمة فقد أشرك ) ( صحيح الجامع 6394 ) ، وهذه نصوص عامة لا مخصص لها ) ( الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد – 2 / 83 ) 0
قال الشيخ يوسف القرضاوي : ( وإذا اختلف السلف في مثل هذه القضية ؛ فللمسلم أن يأخذ ما يطمئن إليه قلبه من أحد الرأيين ، وإن كنت أرجح ما رآه أصحاب ابن مسعود من كراهية التمائم كلها 0
وهذا الترجيح مرده إلى جملة أمور :
أولها : عموم النهي عن التمائم ، حيث لم تفرِّق النصوص بين بعضها وبعض ، ولم يوجد مخصص 0
وثانيها : سد الذريعة ، حتى لا يُفضي إلى تعليق ما ليس كذلك 0
وثالثها : أنه علَّق ذلك ، فإنه لا بد أن يمتهنه ، بحمله في حال قضاء الحاجة ، والجنابة ونحوها 0
ورابعها : أن القرآن إنما أُنزل ليكون هداية ومنهاجاً للحياة ، لا ليتخذ تمائم وحجباً ، وما إلى ذلك ) ( موقف الإسلام من الإلهام والكشف والرؤى ومن التمائم والكهانة والرقى – ص 149 ، 150 ) 0
وقال : ( اختلف السلف في تعليق التميمة التي من القرآن أو تشمل أسماء الله أو صفاته فهل هي من التمائم ؟ أم تستثنى منه ، ويجوز تعليقها ؟ والذي نختاره – والكلام للقرضاوي – هو المنع من التمائم كلها وإن كانت من القرآن ، لعدة أدلة :
أولاً : عموم النهي عن التمائم ؛ فإن الأحاديث لم تستثن منها شيئاً 0
ثانياً : سد الذريعة ، فإن الترخيص في تعليق التمائم إذا كانت من القرآن يفتح الباب لتعليق غيرها ، وباب الشر إذا فتح لا يسد 0
ثالثاً : أن هذا يعرض القرآن للامتهان ، حيث يحمله من علّقه في الأماكن النجسة ، وفي وقت قضاء الحاجة ، وفي حالة الجنابة ، والحيض ، ونحوها 0
رابعاً : أن في ذلك استخفافاً بالقرآن ومناقضة لما جاء له ، فإن الله أنزله ليهدي الناس للتي هي أقوم ، ويخرجهم من الظلمات إلى النور ، لا ليتخذ تمائم وأحرازاً للنساء والأطفال ) ( حقيقة التوحيد – ص 49 ) 0
* قال الشيخ عطية صقر : ( اختلف العلماء في جواز كتابة بعض آيات من القرآن أو أسماء الله لتكون تمائم ، فقالت طائفة بجوازه ، ونسبوا هذا إلى عمرو بن العاص وأبي جعفر الباقر ، ورواية عن الإمام وقالت طائفة بمنعه ، لحديث أحمد : " من علق تميمة 000 " 0
وجزم كثير من العلماء بقول الطائفة الأخيرة ، لعموم النص ، وسدّاً للذريعة حتى لا يكبر الصغار وهم يعتقدون أن التمائم هي التي تشفي وتحفظ دون إرادة الله ، يراجع تفسير القرطبي جزء 10 ص 318 ) ( منبر الإسلام – العدد 10 السنة 45 ، شوال 1407 هـ – يونيه 1987 م – ص 139 ) 0
* قال الدكتور إبراهيم بن محمد البريكان – حفظه الله - : ( والحق فيما يظهر مع المحرم ، لعموم الأدلة في تسمية التمائم شركا فلم تفرق بين ما كان من القرآن وبين ما كان من غيره ، ولما في إجازتها من فتح الباب أمام النوع المتفق على تحريمه فللذرائع حكم ما هي وسيلة إليه فتكون محرمة كالتمائم من غير القرآن ، ولما فيها من تعلق القلب عليها ، ومن كان هذا حاله حق عليه أن يوكل إلى ما تعلق به ، ولما في ذلك من تعريض القرآن للإهانة حال النوم ودخول الخلاء ، وتعريضها للعرق والأوساخ وغير ذلك من الأمور التي ينزه عنها القرآن ، ولأنها ذريعة الدجالين والمشعوذين لعمل التمائم الشركية بدعوى أنها من القرآن 0 قال إبراهيم النخعي : " كانوا يكرهون التمائم كلها ، من القرآن وغير القرآن " ) ( المدخل لدراسة العقيدة الإسلامية – ص 151 ) 0
* محاذير استخدام التمائم المكتوبة من الكتاب والسنة :
أ - إن كتاب الله نزل برسالة سامية تؤصل في منهجها ومضمونها الاعتقاد الراسخ الصحيح أولا ومن ثم ترسخ قواعد التعامل ما بين العبد وربه ، وما بين البشر بعضهم ببعض ، ولم يكن الهدف مطلقا من هذا الكتاب العظيم أن يعلق على الصدور أو البيوت ونحوه ، بل تنزل للحفظ والفهم والتدبر والعمل بمقتضاه ، ولنا في صحابته صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة ، قال ابن كثير - رحمه الله - : ( قال الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود -رضي الله عنه – قال : كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن 0 وقال أبو عبد الرحمن السلمي حدثنا الذين كانوا يقرئوننا أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل فتعلمنا القرآن والعمل جميعا ) ( تفسير القرآن العظيم – 1 / 4 ) 0
ب - يخشى من التعلق بتلك التمائم والاعتقاد أن بها جلب منفعة أو دفع مضرة ، دون الاعتقاد بالله سبحانه وتعالى 0
ج - عدم الدخول بهذه التمائم إلى أماكن الخلاء ، كما أفتى بذلك العلماء الأجلاء - حفظهم الله - ، وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن حكم الدخول بالمصحف للخلاء فأجابت : ( حمل المصحف بالجيب جائز ، ولا يجوز أن يدخل الشخص الحمام ومعه مصحف بل يجعل المصحف في مكان لائق به تعظيما لكتاب الله واحتراما له ، لكن إذا اضطر إلى الدخول به خوفا من أن يسرق إذا تركه خارجا جاز له الدخول به للضرورة ) ( فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء – 4 / 40 ) 0
قلت : فالحاصل أن الراجح بل الصحيح من أقوال أهل العلم عدم جواز تعليق التمائم ، وإن كانت من كتاب الله أو من الأدعية المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك لأسباب ثلاث ، الأول منها : عموم الأدلة ولا مخصص لها ، والثاني : سد الذريعة فإنه يفضي إلى تعليق ما ليس كذلك ، والثالث : أنه إذا علق فلا بد أن يمتهنه المعلق بحمله معه في حالة قضاء الحاجة والاستنجاء ونحو ذلك ، والله تعالى أعلم 0
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 0
أخوكم / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0