تعليق التميمة:
اتفق الفقهاء على عدم جواز تعليق التميمة بالمعنى الجاهلي(219). وهى "الخرزة التي تعلق على الأولاد يتقون بها العين في زعمهم(220). "وعلى هذا المعنى تحمل أحاديث النهي عن تعليق التمائم.
واختلفوا في جواز تعليق التميمة بالمعنى الآخر وهو: "ورقة يكتب فيها شيء من القرآن أو غيره، وتعلق على الرأس مثلاً للتبرك"(221).
217-انظر فتح الباري لابن حجر (10/209) باب (39).
218- انظر الطب النبوي لابن القيم (179).
219- انظر المراجع الفقهية التي سترد في القول الأول.
220- انظر حاشية ابن عابدين (6/363).
221- انظر حاشية الجمل (1/76).
القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في قول إلى جواز تعليق التميمة في عنق المريض أو على رأسه. وهو ما قال به بعض السلف مثل عائشة رضي الله عنها، وعبد الله بن عمرو بن العاص، والضحاك، وأبى جعفر: محمد بن على، ومحمد بن سيرين، وسعيد بن المسيب(222).
فقد سئل سعيد بن المسيب عن التعويذ يعلق قال: إذا كان في قصبة أو رقعة يحرز فلا بأس"(223).
وعن الضحَّاك أنه لم يكن يرى بأساً "أن يعلق الرجل الشيء من كتاب الله إذا وضعه عند الجماع، وعند الغائط"(224). ورخَّص أبو جعفر محمد بن على في التعويذ يعلق على الصبيان(225). وكان ابن سيرين لا يرى بأساً بالشيء من القرآن يعلقه الإنسان(226). وقال الإمام مالك: " لا بأس بتعليق الكتب التي فيها أسماء الله عز وجل على أعناق المرضى على وجه التبرك"(227).
وروى عن الإمام أحمد بن حنبل أنه أجاز ذلك وكان يكتب بخطه، فقد قال المروذى: "شكت امرأة إلى أبى عبد الله أنها مستوحشة في بيت وحدها، فكتب لها رقعة بخطه: بسم الله وفاتحة الكـتاب والمعوذتين وآية الكرسي". وقال: وكتب أبو عبد الله من الحمى؛ بسم الله الرحمن الرحيم، بسـم الله وبالله ومحمد رسول الله (يا نار كوني برداً
222- انظر حاشية ابن عابدين (3/364)-(6/363) والفتاوى الهندية (5/356) والجامع لابن رشد (309) والقوانين لابن جزي (486) والشرح الصغير (4/769) والمعيار المعرب (11/29) واسهل المدارك (7/368) والفتاوى الحديثية لابن حجر (90) والمجموع للنووي (9/56) والآداب الشرعية لابن مفلح (2/455-459) والدليل والبرهان على صرع الجن للإنسان لابن تيمية (62).
223- انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (10/319).
224- انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (10/319).
225- انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (10/319).
226- انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (10/319).
227- انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (10/319).
وسلاماً على إبراهيم وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين)(228).
"اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل اشف صاحب هذا الكتاب بحولك وقوتك وجبروتك إله الحق آمين".
وقال الميموني: "سألت أبا عبد الله عن التمائم تعلق بعد نزول البلاء؟ قال أرجو أن لا يكون به بأس".
وقال أبو داود: "رأيت على ابن لأبي عبد الله وهو صغير تميمة في رقبته في أديم".
قال الخلال: "قد كتب هو من الحمى بعد نزول البلاء، والكراهة من تعليق ذلك قبل وقوع البلاء. وهو الذي عليه العمل"(229). واستدل من أجاز ذلك بما يلي:
1- ما روى البيهقي-بسنده- عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: "وليست بتميمة ما علق بعد أن يقع البلاء".
وفى رواية: التمائم ما علق قبل نزول البلاء، وما علق بعد نزول البلاء فليس بتميمة"(230).
فهو يدل على جواز تعليق التميمة بعد نزول البلاء، وهو موقوف على عائشة رضي الله عنها، لكن له حكم المرفوع.
1- ما روى مسلم في صحيحه عن جابر – في الرقية من العقرب- "من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل"(231).
فإذا ثبت النفع بالتعليق فلا بأس من فعله.
228- سورة الأنبياء: (69-70).
229- انظر الآداب الشرعية لابن مفلح (2/456) والدليل والبرهان على صرع الجن للإنسان (61).
230-أخرجه البيهقي في الكبرى (9/350) وقال صحيح والحاكم في مستدركه (4/217) وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وسكت عنه الذهبي.
231-أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب السلام باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة ح(2199) وأحمد في مسنده (3/382) والبيهقي في الكبرى: كتاب الضحايا: باب إباحة الرقية (9/348) قال الألباني: وفي الحديث استحباب رقية المسلم لأخيه المسلم بما لا بأس به من الرقى، وذلك ما كان معناه معروفاً مشروعاً، وأما الرقى بما لا يعقل معناه من الألفاظ فغير جائز-انظر الصحيح ح(472).
2- ولأن القرآن الكريم مبارك : لقوله تعالى:
(كتاب أنزلناه مبارك)(232).
فتعليقه على الإنسان يحقق البركة له.
القول الثاني: ذهب الإمام أحمد في رواية إلى أن التعليق للتميمة مكروه كراهة شديدة تصل إلى التحريم ، فقد سُئل الإمام أحمد عن تعليق التميمة فقال: "التعليق كله مكروه كان ابن مسعود يتشدد فيه". وهو ما قال به ابن عباس وحذيفة وعقبة بن عامر(233). واسدتلوا لذلك بما يلي:
1- ما روى أبو داود –بسنده– عن عبد الله بن مسعود قال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن الرقى والتمائم والتولة شرك(234).
قالت زوجة عبد الله بن مسعود لزوجها؛ لم تقول هذا؟ والله لقد كانت عيني تقذف، وكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيني، فإذا رقاني سكنت، فقال عبد الله: إنما ذاك عمل الشيطان كان ينخسها بيده، فإذا رقاها كف عنها، إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اذهب الباس رب الناس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً"(235).
232- سورة الأنعام: (155).
233- انظر الآداب الشرعية لابن مفلح (2/459).
234- أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الطب: باب في تعليق التمائم ح(3883). وابن ماجة في سننه: كتاب الطب: باب تعليق التمائم ح(3530) وانظر تحفة الأشراف ح(9643) وأخرجه أحمد في مسنده (1/381). والحاكم في مستدركه (4/217) وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأقره الذهبي. وأخرجه البيهقي في الكبرى: كتاب الضحايا: باب التمائم (9/350). وانظر صحيح سنن أبو داود للألباني ح(3288).
235- أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الطب: باب في تعليق التمائم ح(3883). وابن ماجة في سننه: كتاب الطب: باب تعليق التمائم ح(3530) وانظر تحفة الأشراف ح(9643) وأخرجه أحمد في مسنده (1/381). والحاكم في مستدركه (4/217) وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأقره الذهبي. وأخرجه البيهقي في الكبرى: كتاب الضحايا: باب التمائـم (9/350). وانظر صحيح سنن أبو داود للألباني ح(3288).
2- وروى أحمد -بسنده– عن عقبه بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من علق تميمة فقد أشرك"(236).
فهو يدل على أن من علَّق على نفسه أو على غيره تميمة فقد فعل أهل الشرك(237).
3- وروى الترمذي –بسنده– عن عيسى بن عبد الرحمن بن أبى ليلى، قال: "دخلت على عبد الله بن عكيم أبى معبد الجهني أعوده وبه حمرة فقلنا: ألا تعلق شيئاً؟ قال: الموت أقرب من ذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: من تعلق شيئاً وكل إليه"(238).
فهو يدل على عدم جواز تعليق التميمة، لأن الله تعالى لم يشفه بذلك، وإنما يوكل شفاءه إلى ذلك الشيء فلا يحصل الشفاء.
4- روى الإمام أحمد –بسنده– عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له"(239).
236- أخرجه أحمد في مسنده (4/156) وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقاب (5/103). وأخرجه الحاكم في مستدركه (4/219) وسكت عنه وكذلك الذهبي. قال الألباني: وهذا إسناد صحيح. رجاله ثقاب رجال مسلم غير دخين وهو ابن عامر الحجري أبو ليلي المصري وثقة يعقوب بن سفيان وابن حبان وصحح له الحاكم (4/384) وقد أخرجه (4/219) من طريق أخرى عن يزيد بن أبي منصور- انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني ح(492).
237- انظر فيض القدير للمناوي (6/180).
238-أخرجه الترمذي في سننه: كتاب الطب: باب ما جاء في كراهية التعليق ح(2079) وقال: وفي الباب عن عقبة بن عامر: قال المبارك فوري في التحفة (6/201) وحديث عقبة بن عامر أخرجه أحمد وأبـو يعلي والطبراني بمعناه. قال الهيثمي في المجمـع: رجاله ثقات. وأخـرجه أحمد في مسنده (4/310- 311) والحاكم في مستدركه (4/216) وسكت عنه هو والذهبي. والبغوي في شرح السنة (12/160) وانظر صحيح سنن الترمذي للألباني ح(1691).
239-أخرجه أحمد في مسنده (4/154) والهيثمي في المجمع (5/103) وقال: رواه أحمد وأبو يعلي والطبراني ورجالهم ثقات. والحاكم في مستدركه (4/216) وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. والحديث حسن لغيره- راجع الترغيب للمنذري وهامشه (4/202-203) ح(5064) و(5065) و(5066) بتحقيق محي الدين مستو وآخرين. وانظر تحفة الأحوذي (6/201) والضعيفة للألباني ح(1266).
والراجح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من جواز تعليق ما فيه ذكر الله، فإنه إنما جُعل للتبرك والتعوذ، ومن وكل إلى ذكر الله وأسمائه أخذ الله بيده.
وأما أحاديث النهي عن التعليق فهي محمولة على تعليق تمائم الجاهلية التي يظن بها أنها تجلب الخير وتدفع الشر، فإن ذلك حرام، والحرام لا شفاء فيه، وكذا تمائم العرّافين والكُهان التي يكتب فيها غير القرآن.