نصائح للمعالِج بالقرآن .............
-ازرع الثقة في مريضك ....
إذا داهمت المريض شدة، فإن الشيطان يحرص على ترويعه ثم احتوائه، فتراه زائغ النظرات متعثر الخطى مستغرباً لحاله، فواجب الراقي تهدئة أعصابه المضطربة وزرع الطمأنينة والثقة بربه أولاً ونفسه ثانياً، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وهذا الأمر من الابتلاء إنما حدث لمحبة الله له، وسوف يزول قريباً بمشيئة الله. وكما قال بعض الصالحين: "يا بني إن المصيبة ما جاءت لتهلكك وإنما جاءت لتمتحن صبرك وإيمانك، يا بُنيّ القدر سبع والسبع لا يأكل الميتة".
إذا تقبّل هذا المريض وسلم به فإن التسليم بما حدث له هو الخطوة الأولى في التغلّب علي المصاعب وخطوة نحو الشفاء بإذن الله. أما إذا لم يسم ولم يتحرر من المكابرة ولم يذعن لقضاء الله وقدره، وانقاد لإغراء الشيطان وتسويله ووسوسته فإنه يعيش حياة مريرة قد تدمّر حياته، وربما كان آخر مطافه الجنون أو الوفاة -لا سمح الله-. ولقد أثبت الطب الحديث أن الأزمات النفسية شديدة الوطأة على الجسم حتى إنها تحوّل العصارات الهاضمة إلى سموم، فلا يستفيد الجسم من أفنى الأطعمة بالغذاء، وأنها تفتت جير الأسنان وتلين العظام وتعجل بالشيب المبكر واضطراب القلب ورجفانه وزيادة عصارة المعدة، مما يؤدي إلى قرحة المعدة وضغط الدم والسكر والقولون العصبي والصداع المزمن وضعف الأعصاب ورجفانها.
إن الاستسلام للأمراض العضوية يجعلها تستفحل، والشيطان له دخل في ذلك حتى إن المقاومة جهاز المناعة تفقد فاعليتها بالإيحاء النفسي، وهذا ما أثبته الطب الحديث حتى أن المرض يستولي على المريض ويعطبه؛ فواجب الراقي أن يستعمل الإيحاء النفسي في التأثير على المريض فيما ينفعه، ولذلك يقول النبي حينما دخل رجل يحتضر -وانظر إلى كلمة يحتضر- قال لأقربائه: « نفسوا له في الأجل » أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
ماذا يضيرنا لو زرعنا في نفس المريض الاطمئنان وتحمّل نبأ العلة التي أصابته والتسليم لأمر الله وأنه لا راد قضائه، وأنه هو الذي أوجد المرض وهو الذي يشفيه إن شاء عند ذلك، ينقلب الجزع إلى اطمئنان والوحشة إلى أنس، فيطيب روحاً وبدناً، وتعلو محيّاه ابتسامة الأمل ويزداد قرباً من الله.
-المستقبل بيد الله فلا تفكر فيه
المريض حين يفكّر في غده ويؤمل يعيش في أحلام يقظة وفي تفكير غير منتج، فتسرع له الأوهام والوساوس الشيطانية والهواجس المقلقة، فلا يقتنع بماله من نعمة ولا يرضى بعيشه، فيورثه ذلك غبشاً وشكاً في عقيدة القضاء والقدر، فيضعف إيمانه بالله فيتطور الأمر سوءاً إلى نزعة حسد وحقد -عياذاً بالله من ذلك-، فواجب الراقي توضيح الأمر للمريض وأين هو من قول النبي صى الله عليه وسلم: « من أصبح آمناً في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها »، فالأمن والعافية وقوت يوم واحد قوام الحياة الكاملة، واستعجاله شؤون المستقبل ضعف يقين.
روي أن رجلاً سأل عبد الله بن عمرو بن العاص: ألست من فقراء المهاجرين؟ فقال له عبد الله: "ألك امرأة تأوي إليها؟ قال: نعم، قال: ألك مسكن تسكنه؟ قال: نعم، قال: فأنت من الأغنياء. قال: فإن لي خادماً، قال: فأنت من الملوك.
وهذا لا يعني أن لا نعد للمستقبل عدته، فإن اهتمام المرء بغده دليل عقل، ولكن هناك فارق بين الاهتمام بالمستقبل وجمع الهم له وبين الحيرة فيه. إذا سألك مريضك: متى أشفى؟ ولماذا يتمتع غيري بالصحة والعافية؟ فأخبره إن الابتلاء سنّة الله في خلقه. قال تعالى { أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ }، وقال تعالى: { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ }، وقال صلى الله عليه وسلم: « ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه، إلا كفّر الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها »، وفي رواية: « حتى يمشي على الأرض وليست عليه خطيئة » أو كما قال صلى الله عليه وسلم. والدليل على أنه سيشفى بإذن الله مأخوذ من قوله عليه الصلاة والسلام « حتى يمشي ».
-لا توهم مريضك أثناء تشخيصك
إن الأوهام والظنون هي التي تعصف بالناس، ولو بحثت عن الحق لأعياك طلبه، لذلك ذمّ الله عز وجل الظن، فقال { وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ }. وقد نهي الله عن الركض وراء الأوهام والتخمينات، فقال { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً }.
علي الراقي إذاً أن يُعمل فكره وتجربته بعيداً عن الظنون والتخرصات، فيستخلص الحقائق عن هذا المريض ثم يحلله على بصيرة، ثم يستخدم عقله وتفكيره ويتخذ قراراً حاسماً مبنياً على علم وبصيرة، فبعض الرقاة هداهم الله يبتعد عن حقيقة التشخيص من أجل عرف سائد أو وهم سابق، وعندئذ لا يوفّق إلى حل مشكلة هذا المريض، وذلك أنه حين يستخلص الحقائق فإنه يتصيّد منها ما يعضد الفكرة الراسخة في ذهنه، ولا يبالي بما ينقضها، فتكون حلوله سطحية ارتجالية. فلا بد إذاً من الفصل بين عواطفنا وتفكيرنا حتى تكون الحقائق المطلوبة مجردة لا تشوبها الأوهام العاطفية.
إن الواجب على الراقي أن تكون لديه مذكّرة تحدد ما هي مشكلة المريض؟ فقد تنشأ مناقشة حامية بين الراقي والمرقي في جدل لا طائل منه دون معرفة المشكلة أصلاً، فيحدث الغموض وتخبّط الآراء والتشخيص العقيم، ولكي يتلافى هذا التخبط لا بد من توضيح المشكلة، وتحديداً أعراض المرض، بعد ذلك منشأ المشكلة، وهو ما أسمّيه تاريخ المرض، وهي الأسباب التي دفعت المشكلة إلى حيز الظهور، ويرجع بذاكرة المريض غل تاريخ المشكلة حتى تحدد معالمها بعد ذلك الحلول الممكنة حتى يعود هذا المريض سوياً، هل هو مرض نفسي؟ أم هو مرض عضوي مصحوب بتسلّط شيطاني؟ وهكذا.. وحتى لا تكثر الاقتراحات فيتخبط هذا المسكين عند مجموعة من الرقاة كل يشخص مرضه، فمن قائل عين ومن قائل سحر وآخر عشق وهكذا..
وأفضل الحلول تستخلص من الحقائق المحيطة بهذا المرض، فإن كان مرضاً عضوياً مرتبطاً بشيطاني، وهذا هو الغالب، فواجبك طرد هذا الشيطان بالطرق المناسبة والقراءة بنيّة الدعوة والشفاء، بعد ذلك تحيله إلى المستشفي لعلاج العضو المصاب، فنجمع بين القرآن الذي هو الأصل في العلاج، والعلاج المتوفر وهي الأسباب الدوائية، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع سعد حين قال: « مرضت مرضاً فأتاني رسول الله يعودني، فوضع يده بين ثديي حتى وجدت بردها على فؤادي، وقال لي: إنك رجل مفؤود، فأتِ الحارث بن كلدة من ثقيف فإنه رجل يتطيب، فليأخذ سبع ثمرات من عجوة المدينة فليجأهن ثم ليدلكَّ بهن ».
-غالب الأمراض منشأها الفراغ
قال النبي صلى الله عليه وسلم: « نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ » ففي الفراغ تنشأ الأمراض النفسية وتكثر التسلّطات الشيطانية ويكون مأوى صالحاً للرذيلة والأمراض الخطيرة. قال الشاعر:
إن الشباب والفراغ والجدة.......مفسدة للمرء أي مفسدة
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: "إذا لم تشغل نفسك بالحق شغلتك بالرذيلة"، فمشاعر القلق والحسد والخوف لا تستيقظ إلا في الفراغ، وعلاج هذا الأمر أن توصي مريضك بأن يشحن وقته كله بذكر الله حتى يطمئن قلبه الحائر، وإعلامه أنه محاسب في كل وقت ضيعه في غير ذكر الله، ولم يستثن من ذلك إلا وقت دخول الخلاء حيث لا ينبغي ذكر الله فيه. ومع ذلك يقول العبد " غفرانك " بعد خرجه مع أنه لم يعمل معصية (أي استغفرك لترك ذكرك فهذا الموضع لا يليق ذكرك فيه)، دلالة أنه مطالب بذكر الله في جميع الأوقات. لذلك أثنى الله على الذاكرين له بقوله تعالى: { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ }، فإذا حصل الرابط بذكر الله استقامت أمور هذا المريض وهو يردد هذا الدعاء المبارك "اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفيس طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت"، وقوله تعالى { وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }.
وبعد، فلا مجال للقلق والوساوس، وعلماء النفس يقررون بالإجماع أن البديهيات عندهم: من المحال لأي ذهن بشري مهما كان خارقاً أن ينشغل بأكثر من أمر واحد في وقت واحد، أي أن تجمع بين إحساسين متناقضين وقد سبقهم بذلك كتاب الله { مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ }.
-تضخيم التوافه تدع الحليم حيراناً
يحصل تضخيم التوافه غالباً بين الزوجين ما يعرقل حياتهما، فيستغل ذلك الشيطان جهده كله ويؤدي بهما إلى أبغض الحلال إلى الله وهو الطلاق -لا سمح الله- ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: « لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر ».
وفي صعيد آخر تجد الخصام والمنازعات بين أقرب الناس لأمر صغير تافه ضخّمها الشيطان وجعل سدة ذلك كرامة الشخص وكبرياءه المزعوم، والغريب أن هؤلاء الناس لهم من قوة التحمل على المصائب الكبيرة شجاعة عظيمة، أما التوافه الصغيرة فهي غالبة على أمورهم، والمولى يقول { وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ }.
فعلاج الأمر الأول: وهي نصيحة لكل من الزوجين أن لا يبيت الخصام معهما ليلتهما وأن يجعل للصلح موضعاً، فالشيطان غايته التفريق لاسيما بين الزوجين.
وعلاج الأمر الثاني: حسن الخلق والأنصاف وعذر الإخوان وعدم تسقط الزلات، ومهما باغ أخوك من سوء الخلق، فأدفع بالتي هي أحسن وادع له بظهر الغيب، وعلماء الفقه يقررون أن الماء إذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث، فأخوك المسلم فيه من صفات الخير ما تغلب على صفات الشر وبهذا يكون صدرك منشرحاً لا مجال للشيطان فيه.