الامراض النفسيه وهل لها علاقه بالشيطان ؟

الأمراض النفسية وهل لها علاقة بالشيطان؟


بقلم: سليمان فواز الكفيري
كثيرة هي المحطات الفضائية التي تدس السم في العسل، وتقدم برامج معتمدة على الخرافات والأساطير لتعزز الموروث المتخلف المستند إلى الجهل في أمور الدين والعلم الحقيقي وتعطل التفكير النقدي السليم. التفكير العلمي المستند إلى ما أثبتته التجربة والبرهان العلمي معتمدة طيبة الناس وحسن نواياهم وقناعاتهم الراسخة..
وكذلك بعض الجرائد والمجلات التي تسعى وراء الربح بأساليب لا تتفق والمنهج العلمي ولا تخدم الهدف الأخلاقي للصحافة والإعلام. وهناك أسئلة تدور في الأذهان منها:
- ما رأي الطب النفسي في كلام الجن والشياطين على لسان بعض المرضى؟
- ما هي وجهة نظر الطب النفسي في معتقدات الناس حول الشعوذة والأمراض النفسية؟
-هل المشعوذون والدجالون يملكون أساليب العلاج؟
- كيف نساهم في تحذير الناس من الوقوع بشباكهم؟
-كيف نعزز الثقة بين المريض وأهله من جهة، وإمكانية الشفاء عن طريق العلاج النفسي؟
هناك اعتقاد قوي لدى قطاعات كبيرة من الناس خصوصاً المصابين باضطرابات نفسية بأن قوى خفية تسببت في إصابتهم بالأمراض النفسية. ويتصور البعض أن هذه القوى من (الجن والشياطين) تدخل جسد الإنسان وتسبب له الاضطراب الذي لا يشفى إلا بخروجها منه. ويعتقد آخرون أن مجرد المس من جانب هذه المخلوقات يكفي لحدوث المرض، ويؤكد رأي آخر أن المسألة هي وساوس يقوم بتوجيهها الشيطان إلى ضحاياه عن بعد.
والشيطان في كل الحالات متّهم بأنه السبب الرئيسي وربما الوحيد وراء المرض النفسي على وجه الخصوص، وأحياناً بعض الحالات المرضية الأخرى، ويدفع هذا الاعتقاد الكثير من المرضى إلى طلب العلاج لدى الدجالين والمشعوذين الذين يتعاملون مع الجن والشياطين، دون التفكير في اللجوء إلى الطب النفسي إلا بعد مرور وقت طويل من المعاناة.فنسبة لا تقل عن 70 % من المرضى يذهبون في البداية إلى المعالجين الشعبيين أو المشعوذين قبل أن يفكروا في زيارة الطبيب النفسي. ورغم أنه لا يوجد دليل واحد على علاقة الشيطان بالأمراض النفسية، فإن بعضاً من المتعلمين إلى جانب البسطاء لا يستطيعون فهم الحقائق العلمية التي تؤكد أن غالبية الأمراض النفسية الرئيسية قد توصل العلم إلى معرفة أسبابها، وأنها نتيجة تغييرات كيميائية في الجهاز العصبي.
ومن الحالات الغريبة المرضى الذين يغيبون عن الوعي ويبدأ الشيطان أو الجن في الحديث من داخلهم! والكل هنا يؤكد أن المتحدث هو المخلوق الغريب بداخلهم، فهناك الجن الكافر، وهناك الشيطان الصغير، والفتاة المثقفة، والمرأة التي تبدي رغبتها في الزواج من المريض، أو الرجل الذي يؤكد أنه يحب ضحيته ولن يتركها. وكل هذه نماذج من الشياطين الذين يتحاورون مع المحيطين بالمريض.
هذه الحالة لا علاقة لها بالشيطان نهائياً، والمتحدث هنا هو المريض نفسه، وهو في حالة نطلق عليها التحول الهستيري، يغيب فيها عن الوعي مؤقتاً وتظهر بعض محتويات عقله الباطن، فيقوم بالتنفيس عن بعض رغباته المكبوتة ويهرب من الواقع والضغوط التي لا يحتملها، فيتصور الجميع أن بداخله شيطاناً يتكلم، وهذه الحالات لا تحتاج إلى جلسات (الزار) أو الذهاب إلى الدجالين، أو ضرب المريض بقسوة لإخراج الجن. كل ما يتطلبه الأمر هو تهدئة المريض وبحث حالته النفسية والتعامل مع الضغوط التي يتعرض لها، وهنا تتحسن الحالة دون تعامل مع الشيطان.
مرض الوسواس القهري:هو أحد الأمراض النفسية الشائعة شيوعاً لم نكن نحيط به من قبل، فقد اعتقد الأطباء النفسيون أنه من الحالات النادرة، لكن الدراسات الحديثة تؤكد أنه يصيب 3% من الناس. وقد ارتبط هذا المرض في الأذهان بوساوس الشياطين، بسبب التشابه بين تسمية (الوسواس القهري) وما ورد في القرآن الكريم من وصف للشيطان بـ(الوسواس الخناس)، لكن الالتباس سيزول إذا علمنا أن الوسواس القهري قد أصبح من الأمراض التي كُشِفَ النقاب عن الكثير من أسرارها، وأن هذه الحالات لها علاقة ببعض المواد الكيميائية في المخ مثل مادة (السيروتونين) التي يتسبب اختلالها في أعراض الوسواس القهري، وهي:
1- أعمال وسواسية في صورة تكرار أفعال وطقوس لا معنى لها مثل غسل الأيدي، أو الطهارة عند ملامسة أي شيء، أو التمتمة بكلمات أو أعداد معينة قبل بدء أي عمل، أو إعادة الوضوء عدة مرات قبل الصلاة.
2- أفكار وسواسية مثل الانشغال والاستغراق في التفكير في موضوعات تافهة وقضايا لا حل لها مثل مسألة البيضة والدجاجة ومن الذي أتى أولاً!.. أو البحث في شكل الشيطان وماذا يأكل وكيف يعيش!
وكل هذه الصور لحالات الوسواس القهري هي حالات مرضية يتعامل معها الطب النفسي حالياً بالعلاج الدوائي الذي يعيد الاتزان النفسي، ونسبة الشفاء عالية حالياً باستخدام الأدوية الحديثة، ولا علاقة للشيطان بكل هذه الوساوس المرضية.
أما الهلوسة والوهم والوهن النفسي وغيرها، كأن يتصور المريض أنه يرى أشباحاً أو يسمع أصواتاً تتحاور معه أو تهدده أو تأمره بأن يفعل أشياء معينة، فقد يفسر الناس ذلك بأن الشياطين هي التي تفعل ذلك، لكن من وجهة نظر الطب النفسي هي وجود خلل في جهاز الاستقبال لدى المريض يجعله يستقبل صوراً وأصواتاً لا وجود لها، وهذه الحالات أيضاً تتحسن بالعلاج بالأدوية الحديثة ولا دخل للشيطان بهذه الأعراض النفسية المرضية التي تحدث في مرضى الفصام والأمراض العقلية الذهانية.
كذلك مرض الصرع.. ومس الشيطان: فالصرع يعدّ من أكثر الأمراض العصبية انتشاراً، فهو يصيب 1% من الصغار والكبار، ومن أعراضه حدوث نوبات غياب عن الوعي قد تكون شديدة أو خفيفة. وفي حالة النوبة الكبرى يسقط المريض على الأرض في حالة تشنج يهتز لها كل جسده ويغيب عن الوعي نهائياً ولا يفيق إلا بعد مرور وقت طويل. وكان بعض الناس يستندون إلى التشبيه الذي ورد في آيات القرآن الكريم: (... لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس).. وكشف الطب الحديث حقيقة هذا المرض، فقد بينت الأبحاث الطبية أنه نتيجة خلل في موجات المخ الكهربائية، بفعل شحنات زائدة من بؤرة نشطة تسبب إثارة الخلايا العصبية، وتحدث النوبة نتيجة لذلك. ويمكن كشف ذلك ببساطة حالياً عن طريق جهاز رسم المخ EEG الذي يلتقط هذه الإشارات ويحدد شدتها ومكانها، كما يمكن علاج حالات الصرع عن طريق الأدوية التي تسيطر علي هذا الخلل الوظيفي في المخ، ولا علاقة نهائياً للجن والشياطين والأرواح الشريرة بهذا المرض كما كان يعتقد من قبل.
الحقائق العلمية تؤكد ما يلي:
1- لا دخل للشيطان بالأمراض النفسية والعضوية التي تصيب الإنسان، وقد اكتشف الطب جوانب كبيرة من أسباب هذه الأمراض، وتوصل إلى علاجها بعيداً عن أي قوى خفية.
2 - لا يوجد ما يدعو إلى تعظيم شأن الشيطان بأن ننسب إليه أشياء كثيرة، مع أن نصوص القرآن تؤكد أنه أضعف من ذلك بكثير، ولا يستطيع السيطرة على الإنسان إلا بقدرته المحدودة على إغواء بعض الناس ممن لديهم الاستعداد لذلك.
القضية التي ناقشناها هنا في هذا الحيز المحدود بعيدة عن أي جدل فقهي، والمطلوب هو حملة توعية لتوضيح الحقائق حتى لا يختلط العلم والإيمان بالخرافة والدجل. كما يجب وضع حد لكل الممارسات التي يقوم بها أدعياء الطب والدجل والشعوذة باستغلال معتقدات الناس وثقتهم بالدين والروحانيات على اختلاف أنواعها، سواء كانت روحانية بالمطلق أم ميتافيزيقية.
لذلك دعونا نجعل هذا الموضوع مدخلاً لبحث كبير ,مفتوح لآراء الاختصاصيين النفسيين والعلماء المهتمين.
سليمان فواز الكفيري